النائية ، والتمكن من وجوه الانتفاع ففى ذلك أعظم نعمة ، وأكمل عافية.
وجعل الأرض للخلق قرارا من غير أن تميد ، وجعل السماء بناء من غير وقوع ، وجعل فيها من الكواكب ما يحصل به الاهتداء فى الظلام ، ثم هى زينة السماء ـ وفى ذلك من الأدلة ما يوجب ثلج الصدر وبرد اليقين.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦))
إحياء النفوس وإماتتها مرات محصورة ، وإحياء أوقات العبّاد وإماتتها لا حصر له ولا عدّ ، وفى معناه أنشدوا.
أموت إذا ذكرتك ثم أحيا |
|
فكم أحيا عليك وكم أموت |
ويقال يحي الآمال بإشهاد تفضله ، ثم يميتها بالاطلاع على تعزّزه.
ويقال هذه صفة العوام منهم ، فأمّا الأفاضل فحياتهم مسرمدة وانتعاشهم مؤبّد. وأنّى يحيا غيره وفى وجوده ـ سبحانه ـ غنية وخلف عن كل فائت (١)!؟
قوله جل ذكره : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧))
جعل لكلّ فريق شرعة هم واردوها ، ولكلّ جماعة طريقة هم سالكوها.
وجعل لكلّ مقام سكّانه ، ولكلّ محلّ قطّانه ، فقد ربط كلّا بما هو أهل له ، وأوصل كلّا إلى ما جعله محلا له ؛ فبساط التّعبّد موطوء بأقدام العابدين ، ومشاهد الاجتهاد معمورة بأصحاب التكلف من المجتهدين ، ومجالس أصحاب المعارف مأنوسة بلزوم العارفين ، ومنازل المحبين مأهوله بحضور الواجدين.
__________________
(١) هكذا فى النسختين ، ونحن لا نستبعد أن تكون في الأصل (فان) ؛ فسواء كان الفناء بالمعنى المعروف أو بالمعنى الصوفي فإنها منسجمة مع السياق. ولأن القشيري يستعمل هذا الأسلوب كثيرا : فكفى به خلفا لك عند فنائك عنك.