عن الطاعات أو يخلو ديوانه. وما بين الموت والقيامة : فإمّا راحات متّصلة ، أو آلام وآفات غير منفصلة.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧))
الحقّ ـ سبحانه ـ لا يستتر عن رؤيته مدرك ، ولا تخفى عليه ـ من مخلوقاته ـ خافية. وإنما الحجب على أبصار الخلق وبصائرهم ؛ فالعادة جارية بأنه لا يخلق لنا الإدراك لما وراء الحجب. وكذلك إذا حلّت الغفلة القلوب استولى عليها الذهول ، وانسدّت بصائرها ، وانتفت فهومها وفوقنا حجب ظاهرة وباطنة ؛ ففى الظاهر السماوات حجب تحول بيننا وبين المنازل العالية ، وعلى القلوب أغشية وأغطية كالمنية والشهوة ، والإرادات الشاغلة ، والغفلات المتراكمة.
أمّا المريدون فإذا أظلّتهم سحائب الفترة ، وسكن هيجان إرادتهم فذلك من الطرائق التي عليهم.
وأما الزاهدون فإذا تحرّك بهم عرق الرغبة انفلّت (١) قوة زهدهم ، وضعفت دعائم صبرهم ، فيترخّصون بالجنوح إلى بعض التأويلات ، فتعود رغباتهم قليلا قليلا ، وتختلّ رتبة عزوفهم ، وتنهدّ دعائم زهدهم ، وبداية ذلك من الطرائق التي خلق فوقهم.
وأما العارفون فربما تظلّهم فى بعض أحايينهم وقفة فى تصاعد سرّهم إلى ساحات الحقائق. فيصيرون موقفين ريثما يتفضّل الحقّ ـ سبحانه ـ عليهم بكفاية ذلك فيجدون نفاذا ، ويرفع عنهم ما عاقهم من الطرائق.
وفى جميع هذا فإنّ الحقّ سبحانه غير غافل عن الخلق ، ولا تارك للعباد.
قوله جل ذكره : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨))
__________________
(١) انفلّ السيف ـ انثلم حدّه ، وانفلّ القوم ـ انهزموا.