قوله جل ذكره : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩))
الإنزال المبارك أن يكون بالله ولله ، وعلى شهود الله من غير غفلة عن الله ، ولا مخالفا لأمر الله ويقال الإنزال المبارك الاستيعاب بشهود الوصف عنك ، ثم الاستغراق باستيلاء سلطان القرب عليك ، ثم الاستهلاك بإحداق أنوار التجلّى حتى لا تبقى عين ولا أثر ، فإذا تمّ هذا ودام هذا فهو نزول بساحات الحقيقة مبارك ؛ لأنك بلا أنت .. بكليتك من غير بقية أو أثر عنك.
قوله جل ذكره : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١))
تتابعت القرون على طريقة واحدة فى التكذيب ، وغرّهم طول الامهال ، وما مكنّهم من رفه العيش وخفض الدّعة ، فلم يقيسوا إلا على أنفسهم ، ولم يسم لهم طرف إلى من فوقهم فى الحال والمنزلة ، فقالوا : أنؤمن بمن يتردد فى الأسواق ، وينتفع مثلنا بوجوه الأرفاق؟ ولئن أطعنا بشرا مثلنا لسلكنا سبيل الغىّ ، وتنكبنا سنّة الرّشد. فأجراهم الله فى الإهانة وإحلال العقوبة بهم مجرى واحدا ، وأذاقهم عذاب الخزي. وأعظم ما داخلهم من الشّبهة والاستبعاد أمر الحشر والنشر ، ولم يرتقوا للعلم بأنّ الإعادة كالابتداء فى الجواز وعدم الاستحالة ، والله يهدى من يشاء ويغوى من يريد.
ثم إن الله فى هذه السورة ذكر قصة موسى عليهالسلام ، ثم بعده قصة عيسى عليهالسلام ، وخصّ كلّ واحد منهم بآياته الباهرة ومعجزاته الظاهرة (١).
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١))
كلوا من الطيبات مما أحلّ لكم وأباح ، وما هو محكوم بأنه طيب ـ على شريطة مطابقة
__________________
(١) نلاحظ هنا أن القشيري قد اختصر الكلام فقفز إلى الآية ٥٠ دون تمهل أمام كل آية كما تعودنا منه