الملائكة عليهم ورؤية ربهم. وذلك وإن كان فى القدرة جائزا ـ إلا أنه لم يكن واجبا بعد إزاحة عذرهم بظهور معجزات الرسول عليهالسلام ، فلم يكن اقتراح ما قالوه جائزا لهم.
قوله جل ذكره : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢))
اقترحوا شيئين : رؤية الملائكة ورؤية الله ، فأخبر أنهم يرون الملائكة عند التوفّى ، ولكن تقول الملائكة لهم : «لا بشرى لكم!».
(حِجْراً مَحْجُوراً) : أي حراما ممنوعا يعنى رؤية الله عنهم ، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره ، وحمله على ذلك أولى من حمله على الجنة ، ولم يجر لها هنا ذكر. ثم فيه بشارة للمؤمنين بالرؤية لأنهم يرون الملائكة ويبشرونهم بالجنة ، قال تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) (١) فكما لا تكون للكفار بشارة بالجنة وتكون للمؤمنين لا تكون الرؤية للكفار وتكون للمؤمنين.
قوله جل ذكره : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣))
هذه آفة الكفار ؛ ضاع سعيهم وخاب جهدهم ، وضاع عمرهم وخسرت صفقتهم وانقطع رجاؤهم ، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأما أصحاب الحقائق وأرباب التوحيد فى لوح لقلوبهم من سماع هذه الآية ما يحصل به كمال روحهم ، وتتأدّى إلى قلوبهم من الراحات ما يضيق عن وصفه شرحهم : ويتقاصر عن ثنائه نطقهم ، حيث يسمعون قوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ولقد ظهرت قيمة أعمالهم حيث قال الحقّ لأجله : (وَقَدِمْنا إِلى ...) فهم إذا سمعوا ذلك وجب لهم من الأريحية ما يشغلهم عن الاهتمام لقوله : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ويقولون : يا ليت
__________________
(١) آية ٣٠ سورة فصلت.