لنا أعمال أهل الدارين ثم لا تقبل منها ذرة وهو يقول بسببها : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ...)! لأنهم إذا تخلصوا من مواضع الخلل وموجبات الخجل من أعمالهم عدّوا ذلك من أجلّ ما ينالون من الإحسان إليهم (١) ، وفى معناه أنشدوا :
سأرجع من حجّ عامى مخجلا |
|
لأنّ الذي قد كان لا يتقبّل (٢) |
قوله جل ذكره : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤))
أصحاب الجنة هم الراضون بها ، الواصلون إليها ، والمكتفون بوجدانها ، فحسنت لهم أوطانهم ، وطاب لهم مستقرّهم.
قوله جل ذكره : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥))
يريد يوم القيامة إذا بدت أهوالها ، وظهرت للمبعوثين أحوالها عملوا وتحققوا ـ ذلك اليوم ـ أنّ الملك للرحمن ، ولم يتخصص ملكه بذلك اليوم ، وإنما علمهم ويقينهم حصل لهم ذلك الوقت.
ويقال تنقطع دواعى الأغيار ، وتنتفى أوهام الخلق فلا يتجدّد له ـ سبحانه ـ وصف ولكن تتلاشى للخلق أوصاف ، وذلك يوم على الكافرين عسير ، ودليل الخطاب يقتضى أنّ ذلك اليوم على المؤمنين يسير وإلا بطل الفرق ؛ فيجب ألا يكون مؤمن إلّا وذلك اليوم يكون عليه هينا.
قوله جل ذكره : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ (٣)
__________________
(١) هذه إشارة دقيقة غاية الدقة ، نأمل أن يفطن إليها القارئ ويستمتع بها.
(٢) معنى البيت مرتبط بالفكرة الصوفية أن عمل الإنسان لا قيمة له ، والأمل كله معقود على الفضل الإلهى ، فكلما استصغر العابد عبادته بجانب هذا الفضل شعر بقصوره وارتقى فى التجريد والتفويض منزلة بعد منزلة .. وفى هذا تقول رابعة بعد عبادة ليلة كاملة : إن استغفارنا فى حاجة إلى استغفار.
(٣) قيل نزلت هذه الآية فى أبى بن خلف ، وقد قتله الرسول (ص) يوم أحد فى مبارزة ، وقيل نزلت فى عقبة بن أبى محيط وكان محالفا لأبىّ.