وحقيقة الفقر المحمود تجرّد السّرّ عن المعلولات وإفراد القلب بالله.
ويقال : الفقر المحمود العيش مع الله براحة الفراغ على سرمد الوقت من غير استكراه شىء منه بكلّ وجه.
قوله : (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) : الإشارة منه أن يعطى حتى يحمد.
ويقال الغنىّ إذا أظهر غناه لأحد فإمّا للمفاخرة أو للمكاثرة ـ وجلّ قدر الحقّ عن ذلك ـ وإمّا ليجود ويتفضّل على أحد.
ويقال : لا يقول لنا أنتم الفقراء للإزراء بنا ـ فإنّ كرمه يتقدّس عن ذلك ـ وإنما المقصود أنه إذا قال : والله الغنى ، وأنتم الفقراء أنه يجود علينا.
ويقال إذا لم تدّع ما هو صفته ـ من استحقاق الغنى ـ أولاك ما يغنيك ، وأعطاك فوق ما يكفيك.
قوله جل ذكره : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧))
عرّفك أنه غنيّ عنك ، وأشهدك موضع فقرك إليه ، وأنه لا بدّ لك منه ، فما القصد من هذا إلا إرادته لإكرامك وإيوائك في كنف إنعامه.
قوله جل ذكره : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)
كلّ مطالب بعمله ، وكلّ محاسب عن ديوانه ، ولكلّ معه شأن ، وله مع كلّ أحد شأن. ومن العبادات ما تجرى فيه النيابة ولكن في المعارف لا تجرى النيابة ؛ فلو أن عبدا عاصيا منهمكا في غوايته فاتته صلاة مفروضة ، فلو قضى عنه ألف ولىّ وألف صفيّ تلك الصلاة الواحدة عن كل ركعة ألف ركعة لم تقبل منه إلّا أن يجىء هو : معاذ الله أن نأخذ إلا ممّن وجدنا متاعنا عنده! فعتابك لا يحرى مع غيرك ، والخطاب الذي معك لا يسمعه غيرك :
فسر أو أقم وقف عليك محبتى |
|
مكانك من قلبى عليك مصون |
(إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ