(بِإِذْنِ اللهِ) ؛ فالظالم كانت له زلّة ، والسابق كانت له صولة ، فالظالم رفع زلّته بقوله : لنفسه ، والسابق كسر صولته بقوله : بإذن الله.
كأنه قال : يا ظالم ارفع رأسك ، ظلمت ولكن على نفسك ، ويا سابق اخفض (١) رأسك ؛ سبقت ـ ولكن بإذن الله.
ويقال إنّ العزيز إذا رأى ظالما قصمه ، والكريم إذا رأى مظلوما أخذ بيده ، كأنه قال : يا ظالم ، إن كان كونك ظالما يوجب قهرك ، فكونك مظلوما يوجب الأخذ بيدك (٢).
ويقال الظالم من غلبت زلّاته ، والمقتصد من استوت حالاته ، والسابق من زادت حسناته.
ويقال الظالم من زهد في دنياه ، والمقتصد من رغب في عقباه ، والسابق من آثر على الدارين مولاه.
ويقال الظالم من نجم كوكب عقله ، والمقتصد من طلع بدر علمه ، والسابق من ذرّت (٣) شمس معرفته.
ويقال الظالم من طلبه ، والمقتصد من وجده ، والسابق من بقي معه.
ويقال الظالم من ترك المعصية ، والمقتصد من ترك الغفلة ، والسابق من ترك العلاقة (٤).
ويقال الظالم من جاد بماله ، والمقتصد من لم يبخل بنفسه ، والسابق من جاد بروحه.
ويقال الظالم من له علم اليقين ، والمقتصد من له عين اليقين ، والسابق من له حق اليقين.
ويقال الظالم صاحب المودة ، والمقتصد صاحب الخلّة ، والسابق صاحب المحبة.
ويقال الظالم يترك الحرام ، والمقتصد يترك الشّبهة ، والسابق يترك الفضل (٥) فى الجملة.
__________________
(١) وردت في ص (احفظ) والسياق يتطلب (اخفض) رأسك فما سبقت إليه ليس إلا بإذن الله.
(٢) فآية كرم المولى سبحانه أنه ينظر إلى الظالم على أنه مظلوم ؛ مظلوم من قبل نفسه التي دعته إلى أن يظلم غيره .... ولعمرى إنها غاية الكرم كما يتصورها هذا الصوفي الجليل.
(٣) ذرت الشمس ذروا أي ظهرت أول شروقها (الوسيط).
(٤) أي العلاقة بالدنيا والنفس وما يتصل بهما.
(٥) الفضل هنا معناه ما زاد عن الحاجة الضرورية اتقاء للحرام والشبهة ، يقول سهل التّسترى : «إذا كان الحلال في التدين هو ما لا يعصى الله فيه فإن الحلال عند الصوفي مالا ينسى الله فيه».