يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢))
يموتون قهرا ، ويحشرون جبرا ، ويلقون أمرا ، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا) (١) (مِنْ مَرْقَدِنا؟) يموتون على جهل ، لا يعرفون ربّهم ، ويبعثون على مثل حالهم ، لا يعرفون من بعثهم ، ويعدون ما كانوا فيه في قبورهم من العقوبة الشديدة ـ بالإضافة إلى ما سيلقون من الآلام الجديدة ـ نوما ورقادا ، وسيطئون من الفراق المبرح والاحتراق العظيم الضخم مهادا ، لا يذوقون بردا ولا شرابا إلا حميما وغسّاقا ، ولقد عوملوا بذلك استحقاقا : فقد قال جل ذكره : ـ
(فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
قوله جل ذكره : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥))
إنما يضاف العبد إلى ما كان الغالب عليه ذكره والآخذ بمجامع قلبه ، فصاحب الدنيا من فى أسرها ، وأصحاب الجنة من هم طلّابها والساعون لها والعاملون لنيلها ؛ قال تعالى مخبرا عن أقوالهم وأخوالهم : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٢). وهذه الأحوال ـ وإن جلّت منهم ولهم ـ فهى بالإضافة إلى أحوال السادة والأكابر تتقاصر ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أكثر أهل الجنة البله» (٣) ومن كان في الدنيا عن الدنيا حرّا فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حرا ، والله يختص برحمته من يشاء.
وقيل إنما يقول هذا الخطاب لأقوام فارغين ، فيقول لهم : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ
__________________
(١) سقطت (بعثنا) من الناسخ في ص.
(٢) آية ٦١ سورة الصافات.
(٣) جاء في اللسان أن الأبله من تغلب عليه سلامة الصدر ، وحسن الظنّ بالناس ؛ لأنه يغفل أمر دنياه ، ويقبل على آخرته ويشغل نفسه بها ، قال صلىاللهعليهوسلم «أكثر أهل الجنة البله» فهم أكياس في أمر الآخرة (اللسان ح ١٩ ص ٤٧٧) ط بيروت.