فاكِهُونَ) وهم أهل الحضرة والدنو ، لا تشغلهم الجنة عن أنس القربة ، وراحات الوصلة ، والفراغ للرؤية (١) ويقال : لو علموا عمّن شغلوا لما تهنّأوا بما شغلوا.
ويقال بل إنما يقول لأهل الجنة : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ ..) كأنه يخاطبهم مخاطبة المعاينة إجلالا لهم كما يقال : الشيخ يفعل كذا ، ويراد به : أنت تفعل كذا.
ويقال : إنما يقول هذا لأقوام في العرصة أصحاب ذنوب لم يدخلوا النار ، ولم يدخلوا الجنة بعد لعصيانهم ؛ فيقول الحق : عبدى .. أهل النار لا يتفرغون إليك لأهوالهم ، وما هم فيه من صعوبة أحوالهم ، وأهل الجنة وأصحابها اليوم في شغل عنك لأنهم في لذّاتهم ، وما وجدوا من أفضالهم مع أهلهم وأشكالهم ؛ فليس لك اليوم إلا نحن! وقيل شغلهم تأهبهم لرؤية مولاهم ، وذلك من أتمّ الأشغال ، وهي أشغال مؤنسة مريحة لا متعبة موحشة.
ويقال : الحقّ لا يتعلّق به حقّ ولا باطل ؛ فلا تنافى بين اشتغالهم بأبدانهم مع أهلهم ، وشهودهم مولاهم ، كما أنهم اليوم مشغولون مستديمون لمعرفته بأى حالة هم ، ولا يقدح اشتغالهم ـ باستيفاء حظوظهم ـ فى معارفهم.
ويقال شغل نفوسهم بشهواتها (٢) حتى يخلص الشهود لأسرارهم على غيبة من إحساس النّفس الذي هو أصعب الرّقباء ، ولا شىء أعلى من رؤية الحبيب مع فقد الرقيب.
قوله جل ذكره : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ).
__________________
(١) هكذا فى م وهي في ص (لله وبه) ، وقد آثرنا (الرؤية) متأثرين برواية القرطبي عن الثعلبي والقشيري ـ ـ ابن المصنف ـ حيث تقول هذه الرواية : «فينظر إليهم الحق وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شىء من النعيم ماداموا ينظرون إليه» القرطبي ح ١٥ ص ٤٥.
(٢) قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد : شغلهم افتضاض العذارى.
وفي الخبر عن أبى سعيد الخدري قال (ص) : «إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكارا». ذكر ابن عباس : كلما أتى الرجل من أهل الجنة الحوراء وجدها بكرا ، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته ، ولا يكون بينهما منى ، منه أو منها. (القرطبي ح ١٥ ص ٤٥).