اختلف الناس في هذه الفتنة ؛ ومنها أنه كانت له مائة امرأة فقال : لأطوفنّ على هؤلاء فيولد من كل واحدة منهن غلام يقاتل في سبيل الله» (١) ولم يقل إن شاء الله ، ولم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق مولود ، فألقته على كرسيّه ، فاستغفر ربه من ترك الاستنشاء ، وكان ذلك ترك ما هو الأولى.
وقيل كان له ابن ، وخافت الشياطين أن يبقى بعد موت أبيه فيرثه ، فهمّوا بقتله ، فاستودعه الريح في الهواء لئلا تصل إليه الشياطين ، فمات الولد ، وألقته الريح على كرسيه ميتا. فالفتنة كانت في خوفه من الشياطين وتسليمه إلى الهواء ، وكان الأولى به التوكل وترك الاستعانة بالريح.
وقيل في التفاسير : إنه تزوج بامرأة (٢) كانت زوجة ملك قهره سليمان ، وسباها ، فقالت له : إن أذنت لى أن اتّخذ تمثالا على صورة لأبى لأتسلّى بنظري إليه؟ فأذن لها ، فكانت (تعظمه وتسجد له مع جواريها أربعين يوما) ، وكانت تعبده سرّا ، فعوقب عليه (٣).
وقيل كان سبب بلائه أن امرأة كانت من أحبّ نسائه إليه ، وكان إذا أراد دخول الخلاء نزع خاتمه ودفعه إليها ، وهي على باب الخلاء ، فإذا خرج استردّه. وجاء يوما شيطان يقال له «صخر» على صورة سليمان وقال لامرأته : ادفعي إليّ الخاتم فدفعته ، ولبسه ، وقعد على كرسيه ، يمشّى أموره ـ إلا التصرف في نسائه ـ فقد منعه الله عن ذلك. فلمّا خرج سليمان طالب المرأة بالخاتم ، فقالت : الساعة دفعته إليك. فظنّ أنه فتن ، وكان إذا أخبر الناس أنه سليمان لا يصدّقونه ، فخرج (هاربا إلى ساحل البحر) ، وأصابته شدائد ، وحمل سمك الصيادين بأجرة حتى يجد قوتا.
ولما اتهم (بنو إسرائيل) الشيطان (واستنكروا حكمه) نشروا التوراة بين يديه ،
__________________
(١) فى صحيح البخاري ومسلم عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) قال : «قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، وأيم الذي نفسى محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون».
(٢) هذه المرأة ـ كما يقول الزمخشري ـ هى «جرادة ابنة ملك جزيرة في البحر يقال لها صيدون.
(٣) وكانت عقوبته حرمانه من ملكه أربعين يوما ـ هى مدة عبادة الصنم في بيته.