شهدت عليهم أجزاؤهم ، ولم يكن في حسابهم أن الله سينطقها وهو الذي أنطق كلّ شىء ، ولم يدر بخلدهم ما استقبلهم من المصير الأليم.
(ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ ...) : وكذا من قعد في وصف الأقوال ، ووسم موضعه ، وحكم لنفسه أنه مقدّم بلده. فلا يسمع منه إلا ببرهان ودليل من حاله ، فإن خالف الحال قوله فلا يعتمد عليه بعد ذلك (١).
والظنّ بالله إذا كان جميلا فلعمرى يقابل بالتحقيق ، أمّا إذا كان نتيجة الغرور وغير مأذون به في الشرع فإنه يردى صاحبه.
قوله جل ذكره : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤))
فإن يصبروا على موضع الخسف فسينقلبون إلى النار. وإن يستعتبوا ـ فعلى ما قال ـ فما هم بمعتبين (٢).
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥))
إذا أراد الله بعبد خيرا قيّض له قرناء خير يعينونه على الطاعات ، ويحملونه عليها ، ويدعونه إليها. وإذا كانوا إخوان سوء حملوه على المخالفات ، ودعوه إليها .. ومن ذلك الشيطان ؛ فإنه مقيّض مسلّط على الإنسان يوسوس إليه بالمخالفات .. وشرّ من ذلك النّفس. فإنها بئس القرين!! فهى تدعو العبد ـ اليوم ـ إلى ما فيه هلاكه ، وتشهد عليه غدا بفعل الزلّة. فالنفس ـ وشرّ قرين للمرء نفسه ـ والشياطين وشياطين الإنس .. كلها تزيّن لهم
__________________
(١) يعود القشيري بعد قليل إلى هذا المعنى نفسه حين يتحدث عمن يكلفون بالقالة دون صفاء الحالة.
(٢) أي أن النار مثوى لهم في الحالين ، ولا مهرب لهم منها ؛ فلا صبرهم بنافع ، ولا طلب الرضا عنهم بنافع ، ولا بد لهم من النار.