وثالثها : ما نقل عن الماوردى من أن الحفظة نجّمت القرآن على جبريل فى عشرين ليلة ، وأن جبريل نجّمه على النبى صلىاللهعليهوسلم فى عشرين سنة (٦٥).
ورابعها : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قد أخذ القرآن عن الله تعالى سماعا ، فقد قال البيهقى فى معنى قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) : (يريد والله أعلم : إنا أسمعنا الملك ، وأفهمناه إياه ، وأنزلناه بما سمع ...) (٦٦).
وقد رجح الحافظ السيوطى هذا القول الأخير بقوله : (ويؤيد أن جبريل تلقفه سماعا من الله تعالى : ما أخرجه الطبرانى ـ من حديث النواس بن سمعان مرفوعا ـ «إذا تكلم الله بالوحى أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله ، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجّدا ، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فينتهى به على الملائكة ، فكلما مرّ بسماء سأله أهلها : ما ذا قال ربنا؟ قال : الحق ، فينتهى به حيث أمر» (٦٧).
ولا شك أن هذا القول أحرى بالقبول ، لقوة دليله من جهة ، ولاقتضائه عدم الوساطة بين الله تعالى وبين جبريل فى التلقى من جهة أخرى ، والتحرّز به من دعوى إنزال معناه دون لفظه بما تقضى إليه من موهمات من جهة ثالثة.
* فلقد رصد الإمام السيوطى لعلماء التنزيل فى بيان ما نزل به جبريل على النبى صلىاللهعليهوسلم من الوحى القرآنى ثلاثة أقوال ؛ نثبتها بمزيد تبيان وتحليل على النحو التالى :
القول الأول : أنه نزل بلفظ القرآن ومعناه ، حيث إنه من المرجح أن جبريل قد تلقف القرآن سماعا من الله تعالى ، وتكليما نفسيا بالصفة القديمة مع إلهامه بالألفاظ الدالة على المعانى القائمة بذاته تعالى ، كما هو محصل تقريرى الأصفهانى ـ فى مقدمة تفسيره ـ والقطب الرازى.
أو أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قد حفظ القرآن ـ بلفظه ومعناه ـ من اللوح المحفوظ ، الذى أوجد الله تعالى فيه الكلمات والحروف الدالة على معنى القرآن القائم بذات الله تبارك وتعالى ، فنزل به لفظا ومعنى على النبى صلىاللهعليهوسلم (٦٨).
والقول الثانى : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ قد ألقى إليه المعنى فقط ، وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ بلغة العرب ، وأن أهل السماء يقرءونه بالعربية ، ثم إنه نزل به كذلك على النبى صلوات الله وسلامه عليه. ولم يثبت لأصحاب هذا الزعم الفاسد دليل عليه!!
والقول الثالث : أن جبريل قد نزل على النبى صلىاللهعليهوسلم بالمعانى خاصة ، وأنه صلىاللهعليهوسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب!!