عروبة لغة القرآن ، وهل يقدح فيها المعرب؟
ترجم البخارى فى «جامعه الصحيح» بابا بعنوان (نزل القرآن بلسان قريش والعرب) وذكر فيه قوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، وقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ثم ذكر طرفا من حديث أنس رضي الله عنه فى جمع القرآن ، وفيه قول عثمان : (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش ، فإن القرآن أنزل بلسانهم). وما ذكره الإمام البخارى يكشف عن أنه يرى أن قريشا لم يقتصر القرآن على لسانها ، وإن كانت هى أسعد حظا به من غيرها ؛ ولذا قدم لسان قريش ثم سائر العرب.
ولا يعنى هذا عندى ما ذهب إليه الطبرى من تناكر ألسنة العرب وعدم ائتلافها بما يسبب اختلافا فى جواهر ألفاظها ، وإنما أفهم منه اختلاف اللهجات فى النطق بالألفاظ ؛ ولذا لم أره حسنا ما صنعه بعض الأئمة من عقد أنواع مخصوصة فى كتبهم لما ورد فى القرآن بغير لغة الحجاز ، منهم الزركشى والسيوطى ، فعدوا سبعا وثلاثين لغة. وما أحسب إلّا الاتفاق فى جواهر الألفاظ هو الذى سوغ جمع هذه الألسنة فى لسان واحد فى قوله تعالى : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ، وقوله فى سورة الشعراء : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ، ولو كانت مختلفة الجواهر لجمعها كما فى قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ). ولكنّ هذا لا يعنى استيعاب القرآن لكل لهجات العرب ، بل اصطفى منها ما لا تنفر الآذان منه ، فقد نقل الزركشى عن قاسم بن ثابت (١) فى كتابه «الدلائل» أن من الأحرف ما لقريش ولكنانة ولأسد وهذيل وتميم وضبة وألفافها وقيس. ونقل قولا آخر : أن مضر تستوعب اللغات التى نزل بها القرآن ؛ لأن قبائل مضر تستوعب سبع لغات وتزيد.
ونقل الزركشى عن ابن عبد البر : أن قوما أنكروا كون كل لغات مضر فى القرآن ؛ لأنها تشتمل على شواذ لا يقرأ بها.
كشكشة قيس وهى قلب الكاف شينا ، وعنعنة تميم وهى قلب الهمزة عينا ، وكذلك