فقال : «اعلم أن ابن الحاجب جعل المنطوق والمفهوم أقساما للدلالة قال : المنطوق : دلالة اللفظ على معنى فى محل النطق ، بأن يكون ذلك المعنى حكما للمذكور. والمفهوم : ودلالته على معنى لا فى محل النطق بأن يكون ذلك المعنى حكما لغير المذكور.
ثم قسم المنطوق ـ وهو تلك الدلالة ـ إلى صريح ، وغير صريح ، فالصريح : دلالة اللفظ بالمطابقة أو التضمن.
وغير الصريح دلالته على ما لم يوضع له بل يدل عليه بالالتزام وهو دلالة الاقتضاء والإيماء والإشارة. فدلالة (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) على تحريم التأفيف منطوق صريح ، وعلى تحريم الضرب مفهوم ودلالة ، «تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلى». على أن أكثر الحيض وأقل الطهر خمسة عشر يوما منطوقا غير صريح ، وعلى هذا فالمنطوق خاص بالحكم دون الذوات.
وقال الآمدى بعد ذكر الاقتضاء وغيره من هذه الأنواع التى جعلها ابن الحاجب أقساما لغير الصريح قبل ذكر المنطوق والمفهوم : أما المنطوق ، فقد قال بعضهم : هو ما فهم من اللفظ فى محل النطق وليس بصحيح ، فإن الأحكام المضمرة فى دلالة الاقتضاء ـ كما ذكرناه ـ مفهومه من اللفظ فى محل النطق ، ولا يقال لشىء من ذلك منطوق اللفظ ، فالواجب أن يقال : المنطوق : ما فهم من دلالة اللفظ نطقا فى محل النطق. انتهى.
قال العلامة التفتازانى : «جعل المنطوق والمفهوم من أقسام الدلالة يحوج إلى تكلف عظيم فى تصحيح عبارات القوم ، لكونها صريحة فى كونها من أقسام المدلول ـ كما فى كلام الآمدى ـ فالمصنف ـ رحمهالله ـ تابع القوم فى ذلك لعدم التكلف مع قصور عبارة ابن الحاجب عن تناول مدلول نحو : زيد ، مما هو ذات لا حكم مع تصريح إمام الحرمين وغيره بأن النص والظاهر من أقسام المنطوق ، ولا خفاء فى أن نحو : زيد والأسد ، من جملة النص والظاهر (١) ، إلا أنه أبدل ما فهم من اللفظ بما يدل عليه إشارة للرد على ابن الحاجب بأن المنطوق مدلول لا دلالة ، وإشارة إلى اندفاع اعتراض الآمدى ، فإن ما دل عليه اللفظ فى محل النطق معناه أن الدلالة على ذلك المدلول ثابتة فى اللفظ الذى هو محل النطق أى : المنطوق به ، بمعنى أنها ناشئة من وضعه لا من خارج ، بخلاف دلالة الاقتضاء والإشارة فإنها ليست ناشئة من وضع اللفظ بل من توقف صحة المنطوق على المقتضى (٢) ، أو لزوم المعنى للمدلول (٣).
وهذا المعنى لا يفيده قولهم : ما فهم من اللفظ فى محل النطق. فإن الفهم منه قد