القرآنى مصحوب بانمحاء الإرادة الشخصية للرسول صلىاللهعليهوسلم وانسلاخه من الطبيعة البشرية حتى ما بقى له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ اختيار فيما ينزل عليه أو ينقطع عنه ، فقد يتتابع الوحى ويحمى حتى يكثر عليه ، وقد يفتر عنه وهو أحوج ما يكون إليه ، فهو وحى الله تعالى لا ريب فيه (١٠١).
وإننا لنلمس ـ فى دهشة ـ مدى حب النبى صلىاللهعليهوسلم للوحى التنزيلى ، وشوقه إليه فى فترته ، إلى ذلك الحد الذى صوره حديث السيدة عائشة إذ تقول ـ رضى الله عنها ـ فى تتمة الحديث المار فى بدء الوحى : «........ وفتر الوحى فترة حتى حزن النبى صلىاللهعليهوسلم ـ فيما بلغنا ـ حزنا غدا منه مرارا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى منه نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد ؛ إنك رسول الله حقا ، فيسكن لذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك» (١٠٢).
وقد يقال هاهنا : كيف عزم النبى صلىاللهعليهوسلم على إلقاء نفسه من الجبل مع أن ذلك يوجب قتلها ، والعزم عليه من الكبائر ، والأنبياء جميعا ولا سيما حضرته صلىاللهعليهوسلم معصومون من جميع المعاصى قبل البعثة وبعدها؟؟
والجواب عن ذلك أن يقال : إن هذا الخبر من بلاغات الزهرى كما جزم بذلك ابن حجر ، وأنه لو صح لكان مجرد تصوير مجازى لشوق النبى صلىاللهعليهوسلم للوحى ، وحزنه العميق على تأخره.
*****
[كتاب الوحى]
ثم نتعرف على (كتّاب الوحى للنبى صلىاللهعليهوسلم) :
فنجد من عناية الله بكتابه المجيد أن وجه الهمم ووفر الدواعى على تدوينه فى السطور ، كما وجه عناية النبى صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى حفظه واستظهاره فى الصدور ، فتحقق بالأمرين وعد الله ـ تعالى ـ بحفظه فى قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٠٣) ، فقد تضافرت الصورتان ، وعاضدت كل منهما الأخرى فى الصحة والتوثيق ، حيث كان النبى صلىاللهعليهوسلم ينزل عليه القرآن شيئا فشيئا ، وكان كلما نزل منه شىء بادر بتبليغه لأصحابه وحث على تعلمه وتعليمه ، وكان يأمر كتّاب الوحى بكتابة كل شىء ينزل من القرآن عقب نزوله مباشرة ، فتمت كتابة القرآن كله فى عهده صلىاللهعليهوسلم ، وقد استنبط علماء التنزيل ما يدل على أن الكتابة من الصفات اللازمة للقرآن فى ذلك العهد من