وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء ، فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحدى فى (أسباب النزول) (٣٢) هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا ، وخفى على الجميع ما ظهر للبخارى من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد ، لرواية عمرو بن الحارث ، إذ صرح فيها بقوله : فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) الآية» (٣٣).
ثانيا : تخصيص الحكم ـ فيما نزل بصيغة العموم ـ بصورة السبب التى نزل فيها ـ أى بالحادثة التى كان وقوعها سببا فى نزول الحكم ـ وذلك عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
ومعنى هذا الكلام : أن النص العام الوارد على سبب خاص لا يبقى على عمومه بعد نزوله على سببه الخاص ، بل يكون مقصورا على حالة هذا السبب ، بمعنى أن استفادة الحكم فى هذا السبب بذاته مما نزل تكون بطريق النص ، فإذا عمل بهذا الحكم فى حادثة أو حوادث تشابه حادثة صورة السبب كان استفادة الحكم فى هذه الحوادث المشابهة بطريق القياس لا بطريق النص ، ولكن هذا التخصيص مسألة خلافية سوف نعرض لها بالتفصيل عند بحث مسألة عموم اللفظ وخصوص السبب.
ثالثا : إذا كان اللفظ النازل فى سبب ما عاما ، وقام الدليل على تخصيصه ، فإن معرفة سبب النزول تجعل التخصيص الوارد قاصرا على ما عدا الحادثة التى كانت صورة السبب ، ذلك لأن صورة حادثة السبب لا يجوز إخراجها بالاجتهاد قياسا على صورة أخرى لا يجرى فيها الحكم الوارد فى ذلك النص ، ذلك أن دخول الحادثة التى هى صورة السبب فى اللفظ العام قطعى ، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد وهو ظنى.
مثال ذلك : ما ذكره المفسرون فى سبب نزول قول الله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) النور / ٢٣.
فقد أوردوا عن سعيد بن جبير رحمهالله تعالى ، وابن عباس رضى الله عنهما : أن هذه الآية نزلت فى رماة عائشة رضى الله عنها خاصة ، أو فيها وسائر أزواج النبى صلىاللهعليهوسلم عامة (٣٤) وهو وعيد لهؤلاء الرماة ، عام فى عذابهم فى الدنيا والآخرة ، مما يفيد عدم قبول توبتهم ، ولكن هذا العموم قد خصص بقبول توبة من يقذف غيرهن من المؤمنات إذا تاب بدليل قول الله تعالى :
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا