الاستقصاء
الاستقصاء لغة : التتبع والإبعاد ، وقصى فلان بعد. واستقصيت الأمر تتبعته حتى نهايته (١) والاستقصاء فى اصطلاح البلاغيين :
أن يتناول الشاعر (أو المتكلم) معنى فيستقصيه إلى أن لا يترك فيه شيئا لأحد يقوله من بعده (٢).
وتحدث عنه الإمام عبد القاهر الجرجانى ، ومثّل له بكلامين من شعر ابن المعتز معناهما العام واحد ، إلا أن أحدهما استقصى كل ما يمكن أن يقال فى هذا المقام أما الثانى فقد خلا من الاستقصاء ، وترك لقائل آخر فيه مقالا (٣).
وليس الاستقصاء خاصا بالشعر ، ولا بكلام الناس بل ورد منه نماذج كثيرة فى كتاب الله العزيز ذكر منها البلاغيون قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٤).
ففي هذه الآية ضروب وألوان من الاستقصاء ، هذا بيانها.
«وذلك أنه سبحانه بعد قوله (جَنَّةٌ) التى لو اقتصر على ذكرها لكان كافيا ، لم يقف عند ذلك حتى قال فى تفسيرها (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) لأن لفظة الجنة تطلق على أى شجر ساتر بظل ورقه الأرض فإذا قال (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) كان مصاب ربها «صاحبها» بها أعظم. ثم لم يقف عند ذلك. حتى قال سبحانه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) متمما لوصفها بذلك.
ثم كمل وصفها بأن قال عزوجل : (فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) لأن وصفها بالنخيل والأعناب لا يكون به وصفا كاملا. فأتى بكل ما يكون فى الجنان ليشتد الأسف على إفسادها.
ثم قال فى وصف صاحب الجنة (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) ثم استقصى المعنى فى ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) حتى وصف الذرية بالضعف ، ثم ذكر استئصال تلك الجنة التى ليس لهذا