الإخراج على خلاف الظّاهر
الإخراج فى اللغة هو الإظهار (١).
أما فى اصطلاح البلاغيين فهو فن قولى دقيق المسلك رفيع القدر ، يدور معناه حول إفساح الطريق أمام البليغ ليورد كلامه على حسب تقديره الخاص ، مخترقا به المعايير النمطية التى يتحتم إيراد الكلام على هداها ويلتزم بها المتكلمون ، لأنها أشبه ما تكون باللوغارتمات الصارمة.
وهذا المصطلح «الإخراج على خلاف الظاهر» يحتاج فى فهمه إلى تمهيد ، ومقدمة خلاصتها أن البلاغيين يشترطون فى بلاغة الكلام أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ، والحال عندهم هى الأمر أو المناسبة التى تدعو المتكلم إلى الكلام. وهذه المناسبات مختلفة فقد تكون تهنئة أو مواساة ، أو إصلاحا بين الخصوم أو ترغيبا فى أمور ، أو تحذيرا من أمور. وكل مناسبة منها لها خصوصية أو كلام مخصوص. فإذا وفّق الإنسان لإلقاء الكلام مناسبا للحال التى دعته إلى الكلام كان بليغا ، وكان كلامه بلاغة.
والمناسبات التى يتحدث الناس فيها لا تكاد تحصر فى عدد محدد ، لكن البلاغيين وضحوا هذه الفكرة ، وهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال من خلال ثلاث مناسبات ضبطوها ضبطا حكيما. وهى بالنسبة للأفكار التى يحملها كلام البليغ أو المعانى التى يريد إذاعتها بين الجمهور. فقد قسموا أحوال المخاطبين أمام الأفكار التى يحملها الكلام ثلاثة أقسام :
١ ـ أن يكون السامع أو المخاطب خالى الذهن من تلك الأفكار وليس له موقف سابق منها بالإثبات والقبول أو النفى والرفض.
٢ ـ أن يكون المخاطب أو السامع ، أو حتى القارئ مترددا بين قبول الفكرة أو رفضها ، لعدم ترجيح طرف على آخر من طرفيها.
٣ ـ أن يكون المخاطب رافضا للأفكار التى يحملها الكلام.
هذه هى المستويات الثلاثة ، التى استعان البلاغيون بها على تحديد الكلام الذى يعد بلاغة. وسموا هذه المستويات أحوالا للمخاطبين ، ثم نصوا على ما يناسب كل حال منها من الكلام البليغ.