منه تعالى بعظم النعمة ، وكمال التدبير ، لأن سير السحب فى اتجاهات ملحوظة فى الجو محض تدبير من الله عزوجل بما يصلح أحوال العباد ، فهو يصرف السحب عمن ليسوا فى حاجة إلى الماء ، إلى قوم يعلم الله شدة حاجتهم إلى الماء ، فيأمر السحب بالسير نحوهم.
ومثال الانتقال من التكلم إلى الغيبة قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وكان الأصل أن يقال : فصل لنا ، بضمير المتكلم لا الاسم الظاهر (رب) ـ لأنه من قبيل الغائب.
والداعى البلاغى هو إظهار الامتنان على المخاطب ؛ وسرعة امتثال الأمر ؛ لأن الصلاة المأمور بها هى (لربك) ومن خصائص (رب) الإنعام والرعاية ، وفى قوله عزوجل :
(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) التفات من التكلم إلى الخطاب ، حيث أوقع الفعل «فطر» على ضمير المتكلم ، ثم التفت منه إلى الخطاب فى (تُرْجَعُونَ) والداعى البلاغى هو التصريح بتعميم الحكم (الرجوع إلى الله) على جميع الذين فطرهم الله ، لئلا يتوهم المخاطبون أنه خاص بالمتكلم.
ويجوز أن يكون فى هذه الآية إيجازا بالحذف المسمى «الاحتباك» حيث حذف من الأول (فطرنى) ما دلّ عليه الثانى (ترجعون) ومن الثانى (ترجعون) ما دل عليه الأول (فطرنى) والتقدير وما لى لا أعبد الذى فطرنى وفطركم ، وإليه ترجعون وأرجع.
أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى
الهوامش :
__________________
(١) لسان العرب والمعاجم اللغوية ، مادة لفت.
(٢) البديع (٥٨).
(٣) المثل السائر (٢ / ٤) والجامع الكبير (٩٨).
(٤) شرح التلخيص للشيخ أكمل الدين البابرتى (٢٥٧) طرابلس شرح وتحقيق محمد مصطفى رمضان ط أولى عام ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.
(٥) يونس (٢٢).
(٦) الكشاف (١ / ١٢).
(٧) فاطر (٩).