الاستعارة المرشّحة
الترشيح لغة : هو التقوية (١) ، وأما اصطلاحا فإن كل الأقوال فيه تجمع على شىء واحد ، هو أن يذكر فى الكلام ما يناسب المشبه به ، وهو المستعار فى أسلوب الاستعارة.
والترشيح وصف عارض للاستعارة ، ولا يدخل فى عناصرها الأولية المكونة لها ، وهو ليس بلازم فيها وكان ممن وضع لها تعريفا فخر الدين الرازى حيث قال «هى التى قرنت بما يلائم المستعار منه ، وهى أن يراعى جانب المستعار ، ويولى ما يستدعيه ، ويضم إليه ما يقتضيه» (٢).
وكذلك قال الحلبى فى تعريفها (٣).
وجمهور البلاغيين يسمون الاستعارة التى قرنت بما يناسب المشبه به (اللفظ المستعار) :
الاستعارة المرشحة ، أو الاستعارة الترشيحية (٤).
وهى أقوى أنواع الاستعارة ، وأكثرها مبالغة لأن الاستعارة تقوم على تناسى التشبيه ، وذكر ما يلائم المشبه به (اللفظ المستعار) يساعد على تناسى التشبيه ؛ لذلك قالوا فى بيان قيمة الاستعارة المرشحة :
«وأجل الاستعارات الاستعارة المرشحة» (٥).
ومن أمثلتها فى القرآن الكريم ، قوله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٦).
استعار الاشتراء للاختيار والاستبدال أى استبدلوا الضلالة بالهدى ، لأنه لا بيع ولا شراء على الحقيقة ، وهى استعارة تصريحية لذكر المشبه به «الاشتراء» تبعية لجريانها فى الفعل وقد ذكر فى هذه الاستعارة ما يلائم المشبه به ، وهو نفى الربح فى قوله تعالى :
(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) لأن الربح والتجارة يلائمان المشبه به وهو الاشتراء.
وفى بيان هذا يقول الإمام الزمخشرى :
حيث إن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا فى معنى الاستبدال. فما معنى ذكر الربح والتجارة كأن ثمة مبايعة على الحقيقة؟
قلت هذا من الصنعة البديعة ، التى تبلغ بالمجاز الذروة العليا ، وهو أن تساق كلمة مساق المجاز ثم تقفّى بأشكال لها وأخوات ، إذا تلاحقن لم تر كلاما أحسن منه ديباجة ، وأكثر ماء ورونقا وهو المجاز المرشح.