وفى وجود المتشابه ـ كذلك ـ نوع ابتلاء من الله تعالى ؛ ليعلم العبد من نفسه هل هو مؤمن بما أخبره الشارع به من الأمور الغيبية التى لا مجال للعقل فيها ، أم هو لا يزال فى الطريق إلى هذا الإيمان السامى الذى جعله الله أول أوصاف المتقين فى سورة البقرة حيث قال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
وهذه الحكمة ظاهرة فى المتشابه الذى استأثر الله بعلمه وما ليس للعباد فيه علم كاف بوقته وقدره ونوعه وحقيقته (٤).
(٧) [المتشابه الذى استأثر الله بعلمه]
والمتشابه الذى استأثر الله بعلمه ، كالحروف المقطعة فى فواتح بعض السور ، وكآيات الصفات التى لا ينبغى حملها على ظواهرها ـ اختلف العلماء فى تأويلها على ثلاثة مذاهب.
الأول : مذهب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ وهو أقومها طريقة ، وأهداها سبيلا ؛ فقد قرروا أن الإيمان بالمتشابهات ، وتفويض أمر العلم بها إلى الله ـ تعالى ـ ورسوله واجب ، مع اعتقاد أن الظاهر غير مراد ؛ لقيام الأدلة القطعية على خلافه.
فما دلت عليه النصوص الشرعية الصريحة عملوا به ، وما تشابه عليهم وفهم المراد منه ـ وكان متعلقا بالعقيدة ـ آمنوا به وأجروه على ظاهره وفوّضوا علم كمّه وكيفه وحقيقته إلى الله ـ تعالى ـ وأثبتوا له ـ جل شأنه ـ ما أثبته لنفسه من غير خوض فى تفصيله ؛ تأدبا مع خالقهم ـ جل وعلا ـ ووقاية لأنفسهم من وعيد من أفتى بغير علم ، وتقوّل على الله ما لم يقله.
فالمتشابهات بوجه عام لا يتعين المراد منها على التحقيق إلا بنص صحيح من الشرع ، وحيث لا يكون هناك نص صحيح صريح بقى المتشابه على حاله ، فتكون دلالته على المراد ظنيّة ، والأمور الاعتقادية لا يكفى فيها الظن ، بل لا بد فيها من اليقين ، ولا سبيل إلى معرفة اليقين فى معرفة المتشابه من الصفات ، وهى من الأمور العقدية ، فوجب التوقف فيها وعدم الخوض فى تأويلها وردها فى جملتها إلى المحكم الذى لا يحتمل إلا وجها واحدا.
وعماد المحكم فى باب الصفات قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
هذا هو خلاصة مذهب السلف الصالح من أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم والتابعين لهم بإحسان.
وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بنصوص من الكتاب والسنة وأقوال علمائهم الأعلام ، ووجدوا فيها السلامة لدينهم والنجاة من عذاب ربهم.