المكى والمدنى
(١) [معنى المكى والمدنى]
للعلماء فى معنى المكى والمدنى ثلاثة اصطلاحات :
الأول : وهو الأولى والأشهر : أن المكى ما نزل قبل هجرته صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ، وإن كان نزوله بغير مكة ، والمدنى ما نزل بعد الهجرة وإن كان نزوله بمكة.
وهذا التعريف جامع مانع ، روعى فيه زمان النزول ، وهو أولى من رعاية المكان ؛ لأن معرفة التدرج فى التشريع ومعرفة الناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك من الفوائد ، متوقفة على معرفة المتقدم والمتأخر فى الزمان ، لهذا كان هذا التعريف هو المعتمد عند أكثر أهل العلم.
وعليه تكون آية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) المائدة : ٣ ـ مثلا ـ مدنية ، مع أنها نزلت يوم الجمعة بعرفة فى حجة الوداع.
وكذلك آية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) النساء : ٥٨ ـ فإنها مدنية مع أنها نزلت بمكة فى جوف الكعبة عام الفتح الأعظم.
وقل مثل ذلك فيما نزل بأسفاره ـ عليه الصلاة والسلام ـ كفاتحة سورة الأنفال ، وقد نزلت ببدر ـ فإنها مدنية لا مكية على هذا الاصطلاح المشهور.
الثانى من المصطلحات : أن المكى ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدنى ما نزل بالمدينة ، ويدخل فى مكة ضواحيها ؛ كالمنزّل على النبى صلىاللهعليهوسلم بمنى وعرفات والحديبية ، ويدخل فى المدينة ضواحيها أيضا ، كالمنزل عليه فى بدر وأحد ، وهذا التقسيم لوحظ فيه مكان النزول كما ترى.
وهذا التعريف لما روعى فيه المكان لم يكن ضابطا صحيحا لاختلاف الأماكن التى نزل فيها القرآن ، بخلاف التعريف الأول ؛ فإنه يحدد المكى بزمان معين ، وهو ما قبل الهجرة ، ويحدد المدنى بزمان معين ، وهو ما كان بعد الهجرة ، ونحن نعلم أن من القرآن ما لم ينزل بمكة ولا بالمدينة بل أنزل بأماكن أخرى متباعدة.
فقوله تعالى ـ مثلا ـ فى سورة التوبة : ٤٢ (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ