الإعجاز المعاصر
مقدمة :
إذا كان القرآن الكريم كتاب الزمن كله ، لا كتاب عصر واحد ، فإن كلّ جيل يأتى لا بدّ أن ينتفع بثقافة عصره المتطورة ، وأن تكون هذه الثقافة مفتاحا لباب جديد من القول ، ولذلك يظلّ حديث الإعجاز ممتدا فى كل عصر ثقافى ، وهو يجود ويعلو حين ترتفع ثقافة العصر ، ويرقّ وينحل حين تنخفض هذه الثقافة كما أشرت من قبل إلى عصر المماليك وما تلاه.
وإذا كان هذا العصر قد هجم علينا بثقافاته المتعددة ، ورقيّه الفكرى المحلّق ، فإنّ المجال قد اتسع به لحديث عن الإعجاز لم يلمّ به السابقون من قبل ، وقد تنوّع هذا الحديث إلى علوم شتى ، ولكنّا هنا نقتصر على الإعجاز البيانى وحده ، ومعلوم أن الذين كتبوا من المعاصرين عن الإعجاز البيانى لا يلم به حصر دقيق. ففي كلّ بلد إسلامى يوجد من يتحدث عن الإعجاز بمنحاه الخاص ، وفيهم من وفّقه الله فأتى بالرائع المفيد ، ومن كبا به حظّه من المعرفة ، فلم يأت بغير الضئيل المنقود إذ أقحم نفسه فى ميدان ليس من فرسانه ، وسبيلى الآن أن أختار بعض النابهين من المتحدثين عن الإعجاز ، مكتفيا ببعض عن بعض كيلا يطول الحديث ، وسأتحدث عنهم مراعيا ناحية السبق الزمنى للكاتب ، لنحفظ له حقّه فى الريادة والتوجيه.
محمد فريد وجدى
علم من أعلام الفكر الإسلامى ، وحسبه أنه ألّف وحده دائرة معارف القرن العشرين ، وقد قرأ ما كتبه السابقون عن الإعجاز ، فوجد أنّ الكاتبين قد وفّوا المقام فى الناحية البلاغية المعروفة فى اصطلاحاتها العلمية ، ولكنّ ذلك لا يكفى ، فإن للبلاغة تأثيرا على الشعور الإنسانى يتطلب إيضاح أثرها فى النفس القارئة ، وكلام البشر يظهر ذا رونق فى القراءة الأولى والثانية فإذا تتابعت القراءة مرات فقد تأثيره كثيرا ، وكاد يملّه القارئ.
أما القرآن فقد انفرد بميزة خاصة هى