وأما الصورة الثانية للوحى : فهى أن يأتى الملك للنبى صلىاللهعليهوسلم فى صورة رجل ، فيكلمه بالوحى ، كما قال النبى صلىاللهعليهوسلم ـ فى تتمة حديث البخارى الذى أوردنا صدره فى بيان الصورة الأولى ـ : «وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى ، فأعي ما يقول» ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقا!!. وقد زاد أبو عوانة فى صحيحه : «وهو أهونه علىّ». كما ذكر فى «الإتقان».
وفى توضيح تمثّل الملك النبى صلىاللهعليهوسلم رجلا.
قال إمام الحرمين : معناه : أن الله أفنى الزائد من خلقه ، أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد.
وقال شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى :
إن ما ذكره إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه ، بل يجوز أن يكون الآتى هو جبريل بشكله الأصلى ، إلا أنه انضم فصار على قدر هيئة الرجل ، وإذا ترك : عاد إلى هيئته.
ثم قال الحافظ ابن حجر معقّبا : والحق أن تمثيل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا ، بل معناه : أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه. والظاهر أيضا :
أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى ، بل يخفى على الرائى فقط. والله أعلم (٤٢).
ونستحضر هنا : أن النفث فى الروع يحتمل أن يكون مع هذه الحالة أيضا كما تقدم.
والصورة الثالثة : هى المقابلة للثانية ـ وهى أن ينخلع النبى صلىاللهعليهوسلم عن صورته البشرية ، ويدخل فى الصورة الملكية بتمكين الله ـ تعالى ـ له ذلك ، ويتلقى الوحى من الملك. وهذه ـ كما ذكر العلماء ـ أصعب الحالتين (٤٣).
ثم الصورة الرابعة : أن يوحي رب العزة إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فى المنام بلا واسطة ، كما جاء فى سنن الترمذي مرفوعا : «أتانى الليلة ربى تبارك وتعالى فى أحسن صورة فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ....» (٤٤) الحديث.
ومما يجب التنبيه إليه هنا أن الحق ـ تعالى ـ منزه عن الصورة الحسية ، فإذا رئى ـ سبحانه ـ على وصف يتعالى عنه كان لتلك الرؤيا ضرب من التأويل ، كما نقل الحافظ ابن حجر عن الواسطى : أن من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرأى ، وغير ذلك (٤٥).
والصورة الخامسة : أن يأتى ملك الوحى جبريل إلى النبى صلىاللهعليهوسلم فى النوم فيوحى إليه بما أمره الله تعالى به. وقد عدّ بعض العلماء من هذا القبيل سورة (الكوثر) ، بيد أن التحقيق أنها نزلت فى اليقظة (٤٦) ، كما
سيأتى فى تناول الوحى القرآنى فى محله.
والصورة السادسة : أن يأتى الملك