حجية السنن الإلهية
(١)
فى رحاب القرآن الكريم
القرآن كلام الله سبحانه وتعالى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (١) ومنه تستمد الأحكام فى نطاق العقيدة والشريعة ، وفى أعطافه تنظيم أحوال الخلق فى دنياهم وأخراهم ، لأنه سبيل الهداية ومنهج الرشد ، وقد جعله الله تعالى آية على صدق رسوله صلىاللهعليهوسلم فى الرسالة الخاتمة التى حمّلها الله إياه فى كمال صدقها وإعجاز وسطيتها ، وتمام إبلاغها عن رسالات الله إلى من سبقه من الأنبياء والمرسلين ، وكتبهم التى أنزلها الله عليهم ، وأخبارهم مع من آمنوا معهم ومن كفروا برسالة خالقهم (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). (٢)
والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التى عليها بنيت رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهى الرسالة الخالدة الخاتمة طبقا لنص الآية الكريمة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). (٣)
هذا المعنى يردده عدد من العلماء الذين عنوا بالدراسات القرآنية ـ ونعنى به المعجزة الكبرى أو الوحيدة ـ ويضيفون القول : بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد أيّد بمعجزات كثيرة إلا أن تلك المعجزات قامت فى أوقات وأحوال ومناسبات خاصة ، ونقل بعضها متواترا وبعضها نقل نقلا خاصا (هكذا) ، ثم يضيف هذا الفريق قائلا : وأما القرآن فهو معجزة عامة ، ولزوم الحجة به باق من أول ورودها إلى يوم القيامة. (٤)
وهذا القول فيما يتصل بمعجزة القرآن الكريم صواب لا يحتمل الجدل أو النقاش ، ولكن ثمة خشية فيما يتصل بالمعجزات الأخرى الكثيرة ، أن يؤدى ذلك إلى التقليل من شأنها أو التهوين من قيمتها مثل معجزات النصر ، ومعجزة الإسراء والمعراج خصها المولى بسورتين كاملتين هما سورة الإسراء وسورة النجم ، على النحو الذى سوف نعرض له فى الفصول القادمة من هذه الدراسة بإذن الله.
إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ والقرآن وحيه وكلامه ـ يزكى كتابه العزيز فى كثير من الآيات ، ويرفع من قدره مع التسليم بتلك