فمن تلك المبادئ :
١ ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) البقرة ٢٥٦ :
فهذه عبارة تبيّن حقيقة ، لكنها حقيقة تهيئ الإنسان للتكليف ، فتمنعه من فرض العقائد بالقوة ، وترشد إلى الدعوة والحوار والتعددية الدينية ، وأن الإسلام لا يريد منافقين يؤمنون بألسنتهم وتأبى قلوبهم الإيمان بل (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف : ٢٩ و (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل : ١٢٥ و (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون و (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) النساء ١٤٥ وهذا المبدأ يقرر حقيقة يترتب على تنفيذها عدة تكاليف وإجراءات وفى نفس الوقت يعد شعارا للإسلام وأساسا يمثل النموذج المعرفى الإسلامى الذى يعتبر معيارا لقبول ورفض الأفكار والآراء فى الإسلام.
٢ ـ (كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) :
ورد فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) الإسراء : ٧٠.
والحمل فى البر والبحر ، ورزق الله للناس من الطيبات حقائق مشاهدة ، ولكن التكريم حقيقة تهيئ الإنسان لتكليف وتلزمه بإجراءات ومن هنا حق لها أن توصف بالمبدإ ، ومن عناصر هذا المبدأ أن الله فضل بنى آدم على كثير ممن خلق ، وأكد ذلك باستعمال المفعول المطلق الذى يعد استعماله هنا تأكيدا للتفضيل ، وبيانا أنه تفضيل حقيقى لا يدخله المجاز ، كما تقرر فى علوم العربية من أن استعمال المصدر كمفعول مطلق يدل على الحقيقة ، وينبه لها ، ويمنع دعوى المجاز.
تكريم بنى آدم يلزم منه أنه سيد فى هذا الكون ، حتى وإن لم يكن سيدا له ، فسيد الكون وخالقه هو الله ، أما الإنسان فهو المخلوق المكلف الذى أسجد الله له الملائكة ؛ تكريما له ، وإعلانا لهذا التكريم بين الخلائق ، وجعل الامتناع عن السجود إليه علامة بدء الشر وخراب الدنيا ، وعدّها معصية إبليسية ، طرد إبليس من أجلها ، وجعله رجيما.
وتكريم بنى آدم يمكن أن يكون أساسا لاعتباره حامل الأمانة كما فى قوله تعالى :
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب : ٧٢. وهو أساس تكليفه بالعمارة (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)