والسبب الحقيقى أن الواحدى نال من عالم له مكانة مكينة فى نفوس الناس ، وفى نفس عبد الغافر بصفة خاصة ، فهو عنده : «شيخ الطريقة فى وقته ؛ الموفق فى علوم الحقائق ، ومعرفة طريقة التصوف ، وصاحب التصانيف العجيبة فى علم القوم» ألا وهو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدىّ السلمى (٣٢٠ ـ ٥١٢ ه) وقد كشف أبو سعد السمعانى (المتوفى سنة ٥٦٢ ه) عن السرّ فى ذلك حيث يقول : «كان الواحدى حقيقا بكلّ احترام وإعظام ، لكن كان فيه بسط اللسان فى الأئمة المتقدّمين حتى لسمعت أبا بكر : أحمد بن محمد بن بشار بنيسابور مذاكرة يقول : كان «على ابن أحمد الواحدى» يقول : صنّف «أبو عبد الرحمن السلمى» كتاب : «حقائق التفسير» ولو قال : إنّ ذلك تفسير للقرآن لكفر به» (١).
ولست أدرى ما الذى كان يريد عبد الغافر من الواحدى أن يقول غير هذا القول؟ وهو لا يسعه سواه ، كمؤمن يؤمن بأنّ القرآن نزل بلسان عربىّ مبين ، فلا يفسّر إلّا بما دلّ عليه اللفظ العربى؟
أكان يريد منه أن يتملّق نظام الملك ، وعوامّ العلماء ، ويقول : إن هذا تفسير للقرآن يقرّه الإسلام؟
وهل انفرد الواحدى بذلك القول؟ إنّ جمهرة العلماء ذهبوا مثل مذهبه.
وقد قال الحافظ الذهبى ـ رحمهالله ـ عن السّلمىّ : «وله كتاب يقال له : حقائق التفسير ، وليته لم يصنّفه ، فإنّه تحريف وقرمطة ، وذلك الكتاب فسترى العجب».
ويذكر الإمام جلال الدين السيوطى أبا عبد الرحمن السّلمى فى كتابه ، ويقول عنه (٢) : «ضمن من صنف فى التفسير من المبتدعة ، ويقول : «وإنما أوردته فى هذا القسم ، لأن تفسيره غير محمود».
__________________
(١) انظر (طبقات الشافعية الكبرى ٣ : ٢٨٩) و (مقدمة أسباب النزول للواحدى).
(٢) (طبقات المفسرين ٣١).