فى سلوك المنهاج ؛ فأما الجذع المزجى من المقتبسين ، والرّيّض الكزّ من المبتدئين ـ فإنه مع هذا الكتاب كمزاول غلقا ضاع عنه المفتاح ، ومتخبّط فى ظلماء ليل خانه المصباح.
وأبتدئ فى كل آية عند التفسير بقول ابن عباس ، ما وجدت له نصّا ، ثم يقول من هو قدوة فى هذا العلم من الصحابة وأتباعهم ، مع التوفيق بين قولهم ولفظ الآية ، فأمّا الأقوال الفاسدة ، والتفسير المرذول الذى لا يحتمله اللفظ ، ولا تساعده العبارة ـ فمما لم أعبأ به ، ولم أضع الوقت بذكره.
وذكرت وجوه القراءات السبع التى اجتمع عليها أهل الأمصار ، دون تسمية القراء .. وكلّ ينفق مما رزقه الله ، ويعمل على مقدار ما وفقه الله. ومتى يبلغ ضعف سعينا وقاصر جهدنا ـ نهاية ما لا يتناهى؟ وهذا سهل بن عبد الله يقول :
لو أعطى العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم ـ لم يبلغ نهاية ما أودع الله فى آية من كتابه : لأنه كلام الله ، وكلامه صفته ، وكما أن ليس لله نهاية ، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه ، وإنما يفهم كل مقدار ما يفتح الله على قلبه. وكلام الله غير مخلوق ، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة.
ثم إنّ هذا الكتاب عجالة الوقت ، وقبسة العجلان ، وتذكرة يستصحبها المرء حيثما حل وارتحل. وإن أنسئ الأجل ، وأرخى الطول ، وأنظرنى الليل والنهار ، حتى يتلفع بالمشيب العذار ـ أردفه بكتاب أنضجه بنا الروية ، وأردده على راووق الفكرة ، وأضمنه عجائب ما كتبته ، ولطائف ما جمعته».
وقد أفرغ الواحدى فى كتابه «البسيط» هذا كلّ ما حصله ووعاه ، وتمثّأه وارتضاه ، أو لحظه وارتآه من العلوم التى حذقها ، والفنون التى برع فيها ؛ مندفعا فيه إلى أقصى حدّ بلغته قدرته كشابّ يطلب المثالة بين الناس ، ويبتغى المكانة بين أعلام المفسرين. وكان النحو أغلب العلوم على عقله ، فاستاق من مسائله الدقاق ما استاق ، واجتلب من مشاكله ما حلاله وراق. ولا عليه أن يأتى تفسيره للبسملة والفاتحة فى أربع وعشرين