والمعنى : إنّ قياس خلق عيسى من غير ذكر ، (١) كقياس خلق آدم.
ومعنى (عِنْدَ اللهِ) : أى فى الخلق والإنشاء.
ثم ذكر خلق آدم فقال : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٢)
يعنى قالبا (٣) من تراب لا روح فيه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) بشرا (فَيَكُونُ) بمعنى فكان. وهذا ممّا أريد بمثال المستقبل فيه الماضى ، كقوله تعالى : (تَتْلُوا الشَّياطِينُ)(٤).
٦٠ ـ وقوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)
قال الفرّاء والزّجاج : (الْحَقُ) مرفوع بخبر ابتداء محذوف ، على تقدير : الذى أنبأتك من قصّة عيسى الحقّ ، فحذف لتقدّم ذكره (٥).
وقال أبو عبيدة : (الْحَقُ)(٦) ابتداء ، وخبره (مِنْ رَبِّكَ) ، كما تقول : الحقّ من الله والباطل من الشّيطان.
وقوله : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
الخطاب للنّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، والمراد به نهى غيره عن الشّكّ ، كما قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ)(٧).
و «الامتراء» : الشّكّ. و «الممترى» : الشّاكّ. ويقال : للشّكّ : المرية (٨).
__________________
(١) حاشية ج : «من غير أب كما أن خلق آدم من غير أب وأم»
(٢) حاشية ج : «وهذا من تسمية الغريب بالأغرب ؛ لأن خلق آدم أغرب من خلق عيسى ؛ ليكون أقطع للخصم وأوقع فى النفس ، وهذا دليل على جواز القياس».
(٣) القالب : الشىء الذى تفرغ فيه الجواهر ليكون مثالا لما يصاغ منها : (اللسان ـ مادة : قلب).
(٤) سورة البقرة : ١٠٢. حاشية ج : «: أى تلت الشياطين» وانظر معناها أيضا فيما سبق من هذا الكتاب (١ : ١٦٣) و (تفسير القرطبى ٤ : ١٠٣).
(٥) (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٢٠) و (تفسير القرطبى ٤ : ١٠٣) وفى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٢٨) «المعنى الذى أنبأناك به فى قصة عيسى عليهالسلام [هو الحق] من ربك».
(٦) ب : «هو ابتداء» والإثبات عن أ ، ج. (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٩٥) وفى (تفسير القرطبى ٤ : ١٠٣) قال أبو عبيدة : هو استئناف كلام ، وخبره فى قوله : (مِنْ رَبِّكَ)».
(٧) سورة الطلاق الآية الأولى. وهو اختيار الزجاج : (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٢٨) وإليه ذهب جمهور المفسرين. قال القرطبى : «الخطاب للنبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمراد أمته ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن شاكا فى أمر عيسى عليهالسلام».
(٨) المرية والمرية : الشك والجدل ـ بكسر الميم وضمها ـ وقرئ بهما قوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) [سورة هود : ١٧] : (اللسان ـ مادة : مرا).