ووحّد «الأمّ» بعد قوله : «هنّ» ؛ لأنّهنّ بكمالهنّ أمّ ، وليست كلّ واحدة منهنّ أمّ الكتاب على انفرادها (١).
وقوله : (وَأُخَرُ) جمع : أخرى (٢) (مُتَشابِهاتٌ) يريد : التى تشابهت على اليهود ؛ وهى حروف التهجّى (٣) فى أوائل السّور ؛ وذلك لأنّهم أوّلوها على حساب الجمّل (٤) ، وطلبوا أن يستخرجوا منها مدّة بقاء هذه الأمّة ؛ فاختلط عليهم و ((٥) اشتبه (٥)).
و «المتشابه من القرآن» : ما احتمل من التّأويل أوجها. سمّى متشابها ؛ لأنّ لفظه يشبه لفظ غيره ، ومعناه يخالف معناه قال الله تعالى ـ فى وصف ثمار (٦) الجنّة ـ : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٧) : أى متّفق المناظر مختلف الطّعوم.
ثم يقال ـ لكلّ ما غمض ودقّ ـ : متشابه ، وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشّبه بغيره. ألا ترى أنّه قيل ـ للحروف المقطّعة فى أوائل السّور : متشابهة وليس الشّكّ فيها لمشاكلتها غيرها والتباسها به.
وقول : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ).
: أى ميل عن الحقّ (٨) ، وهم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمّة واستخراجه من الحروف المقطّعة ؛ وهو قوله : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ).
قال مجاهد : طلب اللبس ؛ ليضلّوا به جهّالهم (٩).
(وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ)
__________________
(١) حاشية ج ، و (تفسير الطبرى ٣ : ١٧): «ولم يقل أمهات الكتاب ؛ لأن الآيات كلها فى تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام الله واحد».
(٢) أ : «أخرى هى جمع أخر». قال الزجاج : فأما «أخر» فغير مصروفة (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٧).
(٣) قال الفراء : وهن المص ، والر ، والمر : اشتبهن على اليهود ؛ لأنهم التمسوا مدة [أجل] هذه الأمة من حساب الجمل ؛ فلما يأتهم على ما يريدون قالوا : خلط محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وكفروا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ» (معانى القرآن للفراء ١ : ٩٠).
(٤) قال الحضرمى : «بضم الجيم وتشديد الميم ؛ وهو عبارة عن حروف «أبجد» (عمدة القوى والضعيف ـ الورقة ٦ / ظ).
(٥ ـ ٥) ج : «واشبه». انظر (الوجيز للواحدى ١ : ٨٧) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤١٧) وتفصيل ذلك فى (تفسير الطبرى ٣ : ١٧٤ ـ ١٧٥).
(٦) ب : «أثمار».
(٧) سورة البقرة : ٢٥. وانظر معناها فيما تقدم فى (الوسيط للواحدى ١ : ٦٢ ـ ٦٣).
(٨) (اللسان ، والتاج ـ مادة : زيغ) وفى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٨): «الزيغ : الجور والميل عن القصد».
(٩) واختاره الطبرى (تفسير الطبرى ٦ : ١٩٧ ط : دار المعارف) وبلا نسبة فى (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨).