سورة النصر
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) النصر : الإظهار والإعانة على العدو ، ومنه : نصر الله الأرض أغاثها ، والفتح : فتح البلاد والمعنى : نصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على العرب ، والفتح : فتح مكة والإخبار بذلك قبل وقوعه من إعلام النبوة ، وكان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان المبارك سنة ثمان من الهجرة ، وكان معه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب ، وأقام بها خمس عشرة ليلة ثم خرج إلى هوازن وحنين ولما رجع من ذلك وقف بباب الكعبة فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم قال : يا كل مكة ما ذا ترون أني صانع بكم؟ قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة.
(فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) أي : جماعات ، وقد كانوا يدخلون في الإسلام قبل ذلك واحدا واحدا ، فلما ظهر لهم الحال وتبين لهم الصبح لذي عينين دخل الناس قبائل فقبائل.
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) : عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر قبل موته من قول : " سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك" ، والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل الأمر بما هو قوام الدين من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية. روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما تلاها على أصحابه استبشروا وبكى العباس فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " ما يبكيك يا عم" فقال : نعيت إليك نفسك ، فقال : " إنها لكما تقول" فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكا. ولذلك تسمى هذه السورة سورة التوديع.
(تَوَّاباً) : من صيغ المبالغة أي : كثير الإنابة ، أي : كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروا ، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.