كتاب من كتبه ، ولم يشر أية إشارة إلى ذلك فى تصانيفه ، وكان لا بد أن أشير إلى هذا الموضوع لأن السيوطى نقل عن ابن الزبير فى الصلة أنه رحل إلى الأندلس ، ومكث فيها مدة. ورد على ذلك ابن مكتوم ، فقال : «ذكر الحافظ المؤرخ أبو جعفر أحمد ابن إبراهيم الزبير الثقفى العاصمى فى تاريخه للأندلس الذى وصل به صلة أبى القاسم ابن بشكوال أن أبا البركات عبد الرحمن بن الأنبارى الملقب بالكمال هذا ، دخل الأندلس ووصل إلى أشبيلية وأقام بها زمانا. ولا أعلم أحدا ذكر ذلك غيره ، وهو مستغرب يحتاج إلى نظر ، والظاهر أنه سهو. والله أعلم».
ثقافته :
إن المطلع على ثبت الكتب التى ألفها ابن الأنبارى يعلم أن الرجل قد ألم بجميع الفنون العربية التى عرفت فى القرن السادس الهجرى ، ولقد كان لسمة العصر ووجود المدارس أثر ظاهر فى ذلك. لأن علماء ذلك العصر كانوا يتنقلون فى مرحلة التعليم بين حلقات الدرس ويختلفون إلى العلماء الذين يتصدرون للتدريس فى كل موضوع ، فيأخذون أطرافا من علوم العربية وعلوم الفقه وغير ذلك ، وهكذا فعل ابن الأنبارى ، فإنه جلس إلى العلماء واستمع منهم ، وأعجب بهم وأخذ عنهم ، وأثرّ فيه أحدهم تأثيرا كبيرا جعله يتخصص فى مادة النحو ، ذلك العالم هو ابن الشجرى الذى ترجم له واعترف بفضله وبتأثيره عليه ، ولقد ظهرت هذه النتيجة واضحة جلية فى كتبه وبخاصة المطول منها ، وهى نحوية خالصة. وكثير من رسائله التى أشار إليها فى كتبه وذكر أسماءها ، وكذلك الرسائل التى ذكرتها كتب التراجم ، فهى جميعا يغلب عليها صفة النحو ، ولا يخفى أنه نسب إلى النحو ، فقيل النحوى (كما ذكرنا ذلك فى تسمياته فى أول البحث) وهكذا برع وظهرت مواهبه فى ذلك الفن حتى استوعبه حفظا وفهما ، وساعده على ذلك ما امتاز به من عقلية رياضية ساعدته على فهم المناظرات والحدال النحوى ، حتى أسهم فى ذلك حين كان يناقش أستاذيه الحواليقى وابن الشجرى.
حقا لم يضع ابن الأنبارى نحوا جديدا ، وما كان ذلك يصعب عليه لو نشده ، والذين ألفوا فى النحو بعد سيبويه لم يخرجوا عن النطاق المضروب ، ولم يبتدعوا قواعد جديدة ، ولكن ابن الأنبارى ألف فى النحو بطريقة خاصة ، أخذ المادة القديمة وبناها بناءا جديدا ، وألبسها ثوبا عجيبا جميلا لم يشهده الناس من قبل ، لذلك كان له من عبقريته وذكائه وعقليته خير معين فى ابتكار علم جديد هو (علم أصول النحو) ،