بما يحصل به شفاء الغليل ، وأوضحت فساد ما عداه بواضح التعليل ، ورجعت فى ذلك كله إلى الدليل ، وأعفيته من الإسهاب والتطويل ، وسهلته على المتعلم غاية التسهيل» (١).
ثم وجد ابن الأنبارى أن فن المناظرة والجدال والمحاورة يسم ذلك العصر ، فقد شغف به المتعلمون والفقهاء والمتأدبون ، وبرعوا فى هذا فيما يتصل بأصول الفقه والنحو ، فالتمسوا من الأستاذ الذى انتهت إليه زعامة الأدب والنحو فى بغداد أن يضع لهم قوانين يسيرون عليها حين يتجادلون ، وقواعد يتبعونها حين يتناظرون ، على أن تقوم هذه القواعد على أسس سليمة وقواعد متينة لا يحيدون عنها حتى لا يصبح الجدال العلمى مجرد ترّهات وأباطيل ، ويسلك المناظر سبيل الخطأ لمجرد المناقشة ، فيؤلف ابن الأنبارى لهم كتاب (الإغراب فى جدل الإعراب) وفى مقدمته يبين الغرض منه ويشرح المقصود من تأليفه فيقول : «وبعد ، فإن جماعة من الأصحاب اقتضونى بعد تلخيص كتاب (الإنصاف فى مسائل الخلاف) تلخيص كتاب فى جدل الإعراب مسعرّى عن الإسهاب ، مجردا عن الإطناب ، ليكون أول ما صنف لهذه الصناعة فى قوانين الجدل والآداب ، ليسلكوا به عند المجادلة والمحاورة والمناظرة سبيل الحق والصواب ، ويتأدبوا به عند المحاورة والمذاكرة والمضاجرة فى الخطاب. فأجبتهم على وفق طلبتهم ، طلبا للثواب ، وفصّلته اثنى عشر فصلا على غاية من الاختصار تقريبا على الطلاب فالله تعالى ينفع به إنه كريم وهاب» (٢).
ويخرج لنا بعد ذلك كتابه فى (علم أصول النحو) ولم يكتب له مقدمة تبين الغرض منه ولكنه أشار إليه فى كتابه (نزهة الألبا) حيث قال : «إن علوم الأدب ثمانية : النحو واللغة والتصريف والعروض والقوافى وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم. وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين وضعناهما وهما : الجدل فى النحو ، وعلم أصول النحو ، فيعرف به القياس وتركيبه وأقسامه من قياس العلة وقياس الشبه وقياس الطرد إلى غير ذلك على حد أصول الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا يخفى لأن النحو معقول من منقول كما أن الفقه معقول من منقول» (٣).
وهكذا حقق ابن الأنبارى الأمنية التى طالما داعبت أذهان علماء النحو من القديم.
__________________
(١) مقدمة أسرار العربية ٢.
(٢) الإغراب فى جدل الإعراب ٣٥.
(٣) نزهة الألبا ١١٧.