العيش والملبس ، داخل الأندلس ، وقد ذكر ذلك ابن الزبير فى الصلة ، وكان من الأئمة المشار إليهم فى علوم النحو ، وسكن بغداد من صباه إلى أن مات ، وسمع بالأنبار عن أبيه وتفقه على مذهب الشافعى بالنظامية على ابن الرزاز ، وأعاد بها الدرس وقرأ اللغة على الشيخ أبى منصور موهوب بن الخضر الحواليقى ، وقرأ النحو على النقيب أبى السعادات بن الشجرى ، ولم يكن ينتمى فى النحو إلا إليه ، وبرع فى الأدب حتى صار شيخ وقته ، وصار شيخ العراق فى الأدب غير مدافع ، ودرّس فى المدرسة النظامية النحو مدة ، ثم انقطع فى منزله منشغلا بالعلم والعبادة ؛ وأقرأ الناس العلم على طريقة سديدة وسيرة جميلة من الورع والمجاهدة والنسك ، وترك الدنيا ومحاسنة أهلها ، واشتهرت تصانيفه وظهرت مؤلفاته وتردد الطلبة إليه واستفادوا منه ، وكان مقيما برباط له شرقى بغداد فى الخاتونية الخارجة (١).
قال الموفق عبد اللطيف : «لم أر فى العباد والمنقطعين أقوى فى طريقه ولا أصدق منه فى أسلوبه ، جد محض ، لا يعتريه تصنع ، ولا يعرف السرور ولا أحوال العالم ، وكان له من أبيه دار يسكنها ، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار فى الشهر يقنع به ويشترى منه ورقا. وكان لا يوقد عليه ضوءا ، وتحته حصير قصب ، وعليه ثوب وعمامة من قطن يلبسهما يوم الجمعة ، فكان لا يخرج إلا للجمعة ، ويلبس فى بيته ثوبا خلقا ، وكان ممن قعد فى الخلوة عند الشيخ أبى النجيب (٢)».
قلت (٣) : «سمع الحديث عن أبى منصور بن محمد بن عبد الملك بن خيرون (٥٣٩ ه) ، وأبى البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطى (٥٣٨ ه) ، وأبى نصر أحمد بن نظام الملك (٥٦١ ه) وغيرهم ، وحدث باليسير ، روى عنه الحافظ أبى بكر الحازمى (٥٨٤ ه) ، وابن الديثنى وطائفة ، ومن تصانيفه فى المذهب (هداية الذاهب فى معرفة المذاهب ، وبداية البداية) وفى الأصول (الداعى إلى الإسلام فى أصول الكلام) والنور اللائح فى اعتقاد السلف الصالح ، واللباب ، وغير
__________________
(١) طبقات الشافعية ٢٤٨ ـ ٤ ـ بغية الوعاة ٣٠١.
(٢) عبد الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن علقمة بن معاذ بن عبد الرحمن الشيخ أبو النجيب السهروردى ، الصوفى الزاهد الفقيه الإمام الجليل أحد أئمة الطريقة ومشايخ الحقيقة ... روى عنه ابن عساكر وزين الأمناء أبو البركات وخلق ... توفى سنة ٥٦٣ ه ـ طبقات الشافعية ٢٥٦ ـ ٣.
(٣) القائل : السبكى صاحب طبقات الشافعية.