وأما من قرأ : (أيّهم) بالنصب ، فإنه نصبها (بلننزعن) ، وجعلها معربة وهى لغة لبعض العرب. قال أبو عمر الجرمى (١) : خرجت من الخندق ـ يعنى خندق البصرة ـ حتى صرت إلى مكة ، لم أسمع أحدا يقول : (اضرب أيّهم أفضل) أى كلّهم ، أى ، كلهم منصوب ، وقد سمع الضم ، قال الشاعر :
إذا ما أتيت بنى مالك |
|
فسلّم على أيّهم أفضل |
بضم (أيّهم) ، فدل على أنها لغة منقولة ، وهى اللغة العالية الفصيحة ، وقد ذكرنا الكلام على (أيّهم) مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٧١).
إن بمعنى (ما) وتقديره ، ما أحد منكم. وأحد ، مبتدأ. ومنكم ، صفته. وواردها ، خبره.
ولا يجوز إعمال (إن) ههنا على لغة من يعملها ، لدخول حرف الاستثناء ، وهذا يبطل عمل (ما) ، فما كان مشبّها بها أولى.
قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) (٧٤).
كم ، فى موضع نصب ب (أهلكنا) ، وتقديره ، كم قرن أهلكنا ، فحذف (قرنا) (٣) لدلالة الكلام عليه.
ورئيا ، يقرأ بالهمز وترك الهمز ، وكان من مذهب أبى عمرو ترك الهمزة الساكنة إلا فى هذا الموضع ، وقال : خفت أن يلتبس بالرّىّ من الماء ، فهمزت لأنه أريد حسن المنظر والشارة.
__________________
(١) أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمى النحوى. كان أبو عمر رفيق المازنى ، وكانا السبب فى إظهار كتاب سيبويه. ت ٢٢٥ ه.
(٢) المسألة ١٠٢ الإنصاف ٢ / ٤١٩ والقصة بألفاظها مذكورة فى الإنصاف أيضا.
(٣) (التمييز) فى ب.