غريب إعراب سورة الحجر
قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢).
قرئ : ربّما وربما بالتشديد والتخفيف ، فالتشديد على الأصل ، والتخفيف لكثرة الاستعمال ، وهاتان لغتان جيّدتان ، وفيها لغات.
و (ما) فيها كافة عن العمل ، وخرجت بها عن مذهب الحرف لأنّ (ربّ) حرف جرّ ، وحرف الجرّ يلزم للأسماء ، فلما دخلت (ما) عليها جاز أن يقع بعدها الفعل ، فخرجت عن مذهب الحرف ، وصارت بمنزلة (ما) فى (طالما وقلّما).
فإنّ (طال وقلّ) فعلان ماضيان فلما دخلت عليهما (ما) خرجا عن مذهب الفعل ، فلم يفتقر إلى فاعل ، وإن كان كلّ فعل لا بدّ له من فاعل ، لخروجه بدخولها عليه عن بابه ، فكذلك ههنا ، ولا يدخل بعد (ربما) إلا الماضى كما قال الشاعر :
١١٠ ـ ربّما أوفيت فى علم |
|
ترفعن ثوبى شمالات (١) |
وإنما جاء ههنا المضارع بعدها ، على سبيل الحكاية ، ولهذا حمله أبو إسحاق على ضمير (كان) ، على تقدير ، ربّما كان يودّ الذين كفروا. والأوّل أوجه.
ومن ألطف ما قيل فى هذا أنّ أخبار الحقّ تعالى ، لمّا كان متحققا لا شكّ فى وجوده لتحققه ، نزّل المستقبل الذى لم يقع ولم يوجد ، منزلة الماضى الذى وقع ووجد. وربّما ، معناها التقليل كربّ. قال الشاعر :
__________________
(١) من شواهد سيبويه ٢ ـ ١٥٣ ونسبه إلى جذيمة الأبرش. الخزانة ح ٤ ص ٥٦٧ وشرح شواهد المغنى ص ١٣٤ ـ ٢٤٥.
شمالات : جمع شمال ، وهى ريح شديدة ، جعلها ترفع ثوبه ، وهو يشرف على العدو أعلى الجبل للمراقبة.