وكان عبد الله بن عباس من النّفر القليل من الصحابة الذين دعا لهم الرسول بفهم الوحي والتنزيل.
وقد نمى هذا الاستعداد في نفس ابن عباس كذلك ملازمته للإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بعد انتقال حضرة الرسول إلى الرفيق الأعلى ، (وعليّ) كما نعلم باب هذا المنهل الفيّاض من علوم النبوّة ، وواضع حجر الأساس في الحضارة الروحية الإسلامية.
ومن ثم كانت مأثورات ابن عباس ورواياته في تفسير آيات القرآن أوّل ما عرف من التفاسير الّتي تستند في جملتها على الحديث والأثر.
وإذا كان ابن عباس معدودا في الرّعيل الأول ممّن عاصر الإمام عليا رضوان الله عليه فإنا نعلم من ذلك التفسير بالأثر والحديث النبوي من العلوم التي تفرّد بها البيت النبوي ، وعرف بها الأئمة قبل غيرهم ، واختصّ بها ابن عباس بتوجيه منهم.
فلما كان العصر العباسي وازداد اتصال العرب بحضارات الفرس والرومان واليونان ، والهند وتلاطمت هذه الحضارات في العقل العربي كما تتلاطم الأمواج في المحيط الواسع ، حدث الامتزاج الفكري ، فعرف العرب الحضارة المادية من الفرس ، ونظم الإدارة وأنواعها ، ورأوا ما عليه المجوس من أخلاق وعقائد ، وعرفوا من اليونان فلسفتهم ، ومنطقهم وعلومهم القديمة ، واطلعوا على ما عند الهند من حكمة وروحانيّة.
وتمخّض من هذا المزج العجيب عقل عربي مكتمل الجانب يزن الفكرة بميزان الشرع والعقل معا ، ويجمع في أحكامه بين المنقول والمعقول.
وفي القرن الثالث والرابع الهجريّين حين بلغت الحضارة الإسلامية