٣ ـ عصره وبيئته :
شهد الإمام اليزيدي النصف الثاني من القرن الثاني والثلث الأول من القرن الثالث للهجرة ، وفيهما نضجت العلوم واستقلت ، وتنوعت المعارف ، فظهر الكثير من الكتب في مختلف الموضوعات ، وخاصة في العلوم القرآنية ، وازدهر علم النحو فتركزت أسس المدرستين البصرية والكوفية ، كما ازدهر علم الكلام فتبلورت الفرق الدينية من جبرية وقدرية ومرجئة ومعتزلة وأشعرية ، واحتدم النقاش والجدل في مسائل دينية كثيرة لم يكن للسلف الصالح عهد بها.
ونشط التعليم الذي كان يبدأ عادة في الكتاتيب حيث يتعلم التلميذ مبادىء القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وشيئا من الحساب وبعض الأشعار والأمثال. وكان بجانب معلمي أولاد العامة معلمون لأبناء الخاصة كان منهم اللغوي والإخباري والفقيه والمحدّث والمقرىء.
كما كان لأبناء الخلفاء والوزراء وكبار القادة معلمون خاصون كانت تدفع لهم الرواتب العالية فيعيشون في رفاه ورغد عيش ، من هؤلاء الكسائي مؤدب الأمين ويحيى اليزيدي مؤدب المأمون.
وكان عهد المأمون من أرقى عهود العلم والمعرفة في هذه الفترة ، فقد كان هو نفسه محبا للعلم ، ذا معرفة واسعة بالعلوم الدينية كالحديث والتفسير والفقه واللغة ، وقد لمس المأمون في الأمة شوقا إلى العلم والبحث فأنشأ بيت الحكمة الذي كان يضم مكتبة عظيمة ودارا لنسخ الكتب ودارا للتأليف ودارا للترجمة. وأغدق الأعطيات حتى أنه كان يدفع للناقل زنة ما ينقله ذهبا ، وكان مجلس المأمون ساحة للجدال والمناظرة ، إذ حول دار الخلافة في بغداد إلى ندوات علمية تتناول شتى صنوف المعرفة.
أما المساجد فكانت ساحات العلم الكبرى يأتي إليها الطلاب لينهلوا من معينها ، وكان لكل فرع من فروع المعرفة حلقة متخصصة ، فهنا فقيه وهناك