ونستلهم منها عبرا ودروسا بل إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله مأمور بأن يحكي لقومه قضايا الماضين عسى أن يتفكّروا ويتدبّروا ويأخذوا العبر ؛ قال الله تعالى : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١).
وهناك جملات من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام تبيّن ماذا يحصل الإنسان فيما لو كان عنده اطّلاع على قصص الأنبياء وما جرى عليهم صلوات الله عليهم.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء ، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ، وأجهد العباد بلاء ، وأضيق أهل الدنيا حالا. اتّخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرار فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة وقهر الغلبة.
لا يجدون حيلة في امتناع ، ولا سبيلا إلى دفاع ، حتّى إذا رأى الله جدّ الصبر منهم على الأذى في محبّته ، والاحتمال للمكروه من خوفه جعل لهم من مضايق البلاء فرجا ، فأبدلهم العزّ مكان الذلّ ، والأمن مكان الخوف فصاروا ملوكا حكّاما ، وأئمّة أعلاما ، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم.
فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء (٢) مجتمعة والأهواء متّفقة ، والقلوب معتدلة ، والأيدي مترادفة ، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة ، والعزائم واحدة. ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين ، وملوكا على رقاب العالمين.
فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتّتت الألفة واختلفت الكلمة والأفئدة ، وتشعّبوا مختلفين ، وتفرّقوا متحازبين قد
__________________
(١) الأعراف : ١٧٦.
(٢) الأملاء : جمع ملأ بمعنى الجماعة والقوم ، والأيدي المترادفة أي المتعاونة (شرح نهج البلاغة ١٣ : ١٧١).