خلع الله عنهم لباس كرامته ، وسلبهم غضارة نعمته. وبقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين.
فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهمالسلام. فما أشدّ اعتدال الأحوال وأقرب اشتباه الأمثال.
تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم وتفرّقهم ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أربابا لهم ، يحتازونهم عن ريف الآفاق (١) ، وبحر العراق وخضرة الدنيا إلى منابت الشيح ، ومهافي الريح ، ونكد المعاش.
فتركوهم عالة مساكين إخوان دبر ووبر ، أذلّ الأمم دارا ، وأجدبهم قرارا ، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها ، ولا إلى ظلّ ألفة يعتمدون على عزّها. فالأحوال مضطربة ، والأيدي مختلفة ، والكثرة متفرّقة في بلاء أزلّ ، وإطباق جهل! من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة» (٢).
وقال عليهالسلام في وصيّته لابنه الحسن عليهالسلام : «أحي قلبك بالموعظة .. إلى أن قال : وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر في ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا وممّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا ... ـ إلى أن قال عليهالسلام ـ : أي بنيّ ، إنّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم حتّى عدت كأحدهم ، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره (٣).
__________________
(١) أي يبعدونهم عنه ، والريف الأرض ذات الخصب والزرع والجمع أرياف (شرح نهج البلاغة ١٣ : ١٧٣).
(٢) نهج البلاغة ٢ : ١٥١.
(٣) نهج البلاغة ٣ : ٤١.