يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر أحد أن يغيّره ، قالوا : فافعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جزع أبيض (١) فنقره بالحديد حتّى صوّر لهم مثال يغوث ، فعظّموه أشدّ مما مضى (٢) ، وبنوا عليه بيتا من حجر ، وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلّا في رأس كلّ سنة ، وسمّيت البيعة يومئذ ، لأنّهم تبايعوا وتعاقدوا عليه.
فاشتدّ ذلك على يعوق ، فعمد إلى ريطة (٣) وخلق فألقاها في الحاير ثمّ رماها بالنار ليلا ، فأصبح القوم وقد احترق البيت والصنم والحرس وأرفض الصنم ملقى ، فجزعوا وهمّوا بقتل يعوق ، فقال لهم : إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم ؛ فكفّوا.
فلم يلبث أن مات يعوق وخلّف ابنا يقال له : نسر ، فأتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم ، فأنا جاعل لكم مثال يعوق في شيء لا يبلى ، فقالوا : افعل ، فعمد إلى الذهب وأوقد عليه النار حتّى صار كالماء ، وعمل مثالا من الطين على صورة يعوق ، ثمّ أفرغ الذهب فيه (٤) ، ثمّ نصبه لهم في ديرهم ، واشتدّ ذلك على نسر ، ولم يقدر على دخول ذلك الدير ، فانحاز (٥) عنهم في فرقة قليلة من إخوته يعبدون نسرا ، والآخرون يعبدون الصنم ، حتّى مات نسر وظهرت نبوّة إدريس ، فبلغه حال القوم وأنّهم يعبدون جسما على مثال يعوق ، وأنّ نسرا كان يعبد من دون الله ، فسار إليهم بمن معه حتّى نزل مدينة نسر وهم فيها ، فهزمهم ، وقتل من قتل ، وهرب من هرب ، فتفرّقوا في البلاد ، وأمر بالصنم فحمل وألقي في البحر ، فاتّخذت كلّ فرقة منهم صنما ، وسمّوها بأسمائهم ، فلم يزالوا بعد ذلك قرنا بعد
__________________
(١) في «ص» : (إلى حجر جرع أبيض) ، وفي البحار : (إلى حجر أبيض) بدلا من : (إلى حجر جزع أبيض).
(٢) في النسخ : (ما مضى) ، والمثبت عن البحار.
(٣) قال في النهاية ٢ : ٢٨٩ : قيل : الريطة كلّ ثوب رقيق لين.
(٤) في «ر» : (عليه الذهب) ، وفي «س» : (الذهب عليه) بدلا من : (الذهب فيه).
(٥) في «م» «ص» : (فانجاز).