عن القرية (١) من يومه ذلك ومعه نفر من أصحابه ، فلمّا كان في السحر ناجى ربّه ، فأوحى الله إليه أن تنحّ عنه وخلّني وإيّاه.
قال إدريس صلوات الله عليه : أسألك أن لا تمطر السماء على أهل هذه القرية ، وإن خربت وجهدوا وجاعوا. قال الله تعالى : إنّي قد أعطيتك ما سألته ، فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عليهم وعنهم ، وقال : اخرجوا من هذه القرية إلى غيرها من القرى ، فتفرّقوا وشاع الخبر بما سأل إدريس عليهالسلام ربّه.
وتنحّى إدريس إلى كهف في جبل شاهق ، ووكّل الله تعالى ملكا يأتيه بالطعام عند كلّ مساء ، وكان يصوم النهار ، وظهر في المدينة جبّار آخر ، فسلب ملكه ـ أعني : الأوّل ـ وقتله وأطعم الكلاب لحمه ولحم امرأته ، فمكثوا بعد إدريس عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم مطرة (٢) ، فلمّا جهدوا ومشى بعضهم إلى بعض.
فقالوا : إنّ الذي نزل بنا ممّا ترون بسؤال إدريس عليهالسلام ربّه ، وقد تنحّى عنّا ، ولا علم لنا بموضعه ، والله أرحم بنا منه ، فأجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى ، فقاموا على الرماد ، ولبسوا المسوح (٣) ، وحثّوا على رؤوسهم التراب ، وعجّوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرّع إليه.
فأوحى الله تعالى إلى الملك الذي يأتي إدريس عليهالسلام بطعامه (٤) : أن احبس عنه طعامه ، فجاع إدريس عليهالسلام ليلة ، فلمّا كان في ليلة اليوم الثاني لم يؤت بطعامه قلّ صبره ، وكذلك ليلة الثالث فنادى : يا ربّ ، حبست رزقي عنّي من قبل أن تقبض روحي؟!
__________________
(١) في «ر» : (عن القوم).
(٢) في سعد السعود : (قطرة).
(٣) قال في مجمع البحرين ٤ : ٢٠٠ : المسوح ويعبر عنه بالبلاس وهو كساء معروف.
(٤) في «ص» «م» : (بطعام).