فأوحى الله إليه : اهبط من موضعك ، واطلب المعاش لنفسك ، فهبط إلى قرية فلمّا دخلها نظر إلى دخان بعض منازلها ، فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة ، وهي ترقّق قرصين لها على مقلاة ، فقال : بيعي منّي هذا الطعام ، فحلفت أنّها ما تملك شيئا غيرهما ، واحد لي وواحد لابني.
فقال : إنّ ابنك صغير يكفيه نصف قرصة فيحيى به ، ويجزيني النصف الآخر ، فأكلت المرأة قرصها ، وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها ، فلمّا رأى ابنها إدريس يأكل من قرصه (١) اضطرب حتّى مات ، فقالت : (٢) يا عبد الله ، قتلت ابني جزعا على قوته ، فقال لها إدريس عليهالسلام : أحييه بإذن الله فلا تجزعي.
ثمّ أخذ إدريس بعضد الصبيّ وقال : أيّتها الروح الخارجة عن هذا الغلام ارجعي إليه وإلى بدنه بإذن الله تعالى ، أنا إدريس النبيّ ، فرجعت روح الغلام إليه ، فقالت العجوز (٣) : أشهد أنّك إدريس النبيّ ، وخرجت ونادت في القرية بأعلى صوتها : ابشروا بالفرج قد دخل إدريس عليهالسلام (٤) قريتكم.
ومضى إدريس حتّى جلس على موضع مدينة الجبّار الأوّل وهي تلّ ، فاجتمع إليه الناس من أهل قريته ، فقالوا : مسّنا الجوع والجهد في هذه العشرين سنة فادع الله تعالى لنا أن يمطر علينا.
قال إدريس عليهالسلام : لا أدعو حتّى يأتيني جبّاركم وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة ، فبلغ الجبّار قوله ، فبعث إليه أربعين رجلا يأتونه بإدريس ، فأتوه وعنّفوا به ، فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ الجبّار الخبر فبعث إليه خمسمائة رجل ، فقالوا له : يا
__________________
(١) في «ص» : (قرصته).
(٢) في «ص» «م» زيادة : (الله).
(٣) قوله : (العجوز) ليس في «ص» «م» وسعد السعود.
(٤) قوله : (وخرجت) إلى هنا ليس في «ص» «م».