ولد آدم بآدم صلوات الله عليهما ، وكان رجلا أدما ، كثير الشعر ، حسن الوجه ، ولم يكن أحد من الناس أشبه بآدم منه إلّا ما كان من يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما ، فلبث هود عليهالسلام فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن الشرك بالله تعالى وظلم الناس ، ويخوّفهم بالعذاب فلجّوا ، وكانوا يسكنون أحقاف (١) الرمال ، وأنّه لم يكن أمّة أكثر من عاد ولا أشدّ منهم بطشا.
فلمّا رأوا الريح قد أقبلت عليهم قالوا لهود : أتخوّفنا بالريح؟ فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شعب من تلك الشعاب ، ثمّ قاموا على باب ذلك الشعب يردّون الريح عن أموالهم وأهاليهم ، فدخلت الريح من تحت أرجلهم بينهم وبين الأرض حتّى قلعتهم ، فهبّت بهم صعدا ، ثمّ رمت بهم من الجوّ ، ثمّ رمت بهم الريح في البحر ، وسلّط الله عليهم الذرّ (٢) فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذرّ ما لا يطاق قبل أن يأخذهم الريح ، فسيّرهم من بلادهم ، وحال بينهم وبين مرادهم حتّى أبادهم الله (٣).
وقد كان سخّر لهم من قطع الجبال والصخور والعمد والقوّة على ذلك والعمل به شيئا لم يسخّره لأحد كان قبلهم ولا بعدهم ، وإنّما سمّيت «ذات العماد» من أجل أنّهم يسلخون العمد من الجبال ، فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه منه من أسفله إلى أعلاه ، ثمّ ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثمّ يبنون
__________________
(١) في النسخ : (أحقاب) ، والمثبت عن البحار. قال ابن الأثير في النهاية ١ : ٤١٣ : الأحقاف : جمع حقف. وهو ما اعوجّ من الرمل واستطال ، وفي مجمع البيان ٩ : ٨٩ : الأحقاف جمع حقف وهو الرمل المستطيل العظيم لا يبلغ أن يكون جبلا ؛ قال المبرّد : هو الرمل الكثير المكتنز غير العظيم وفيه اعوجاج ، ثمّ قال : هو واد بين عمّان ومهرة ، عن ابن عبّاس ، وقيل : رمال فيما بين عمّان إلى حضرموت ، عن ابن إسحاق وقيل : رمال مشرفة على البحر ، وقيل غير ذلك.
(٢) الذر : النمل الأحمر الصغير ، واحدتها ذرة (النهاية ٢ : ١٥٧ ، المصباح المنير : ٢٠٧ ذرّ).
(٣) في «ص» «م» : (أتاهم الله) ، وفي البحار : (وحال بينهم وبين مرادهم حتّى أتاهم الله).