فقال : دعوا هذا وارجعوا إلى الله وتوبوا إليه ، فلمّا رأى القوم ما لبسهم من الرعب علموا أنّهم لا يقدرون على ضربه ثانية ، فاجتمعوا بقوّتهم ، فصاح بهم هود عليهالسلام صيحة فسقطوا لوجوههم.
ثمّ قال هود : يا قوم ، قد تماديتم في الكفر ، كما تمادى قوم نوح عليهالسلام وحقيق (١) أن أدعو عليكم كما دعا نوح على قومه ، فقالوا : يا هود ، إنّ آلهة قوم نوح كانوا ضعفاء وإنّ آلهتنا أقوياء ، وقد رأيت شدّة أجسامنا ، وكان طول الرجل منهم مائة وعشرين ذراعا بذراعهم وعرضه ستّون ذراعا ، وكان أحدهم يضرب الجبل الصغير فيقطعه ، فمكث على هذا يدعوهم سبعمائة وستّين سنة.
فلمّا أراد الله تعالى إهلاكهم (٢) حقف الأحقاف (٣) حتّى صارت أعظم من الجبال ، فقال لهم هود : يا قوم ، ألا ترون هذه الرمال كيف تحقّفت إنّي أخاف أن تكون مأمورة ، فاغتمّ هود عليهالسلام لما رأى من تكذيبهم إيّاه (٤) ونادته الأحقاف قرّ يا هود عينا ، فإنّ لعاد منّا يوم سوء ، فلمّا سمع هود ذلك قال : يا قوم ، اتّقوا الله واعبدوه ، فإن لم تؤمنوا صارت هذه الأحقاف عليكم عذابا ونقمة ، فلمّا سمعوا ذلك أقبلوا على نقل الأحقاف ، فلا تزداد (٥) إلّا كثرة ، فرجعوا صاغرين.
فقال هود : يا ربّ ، قد بلّغت رسالاتك فلم يزدادوا إلّا كفرا.
فأوحى الله إليه يا هود : إنّي أمسك عنهم المطر ، فقال هود عليهالسلام : يا قوم قد وعدني ربّي أن يهلككم ومرّ صوته في الجبال وسمع الوحش صوته والسباع
__________________
(١) في «ص» «م» والبحار : (وخليق).
(٢) في «ص» «م» : (هلاكهم).
(٣) الأحقاف : جمع حقف ، وهو الرمل كما في ترتيب كتاب العين ١ : ٤٠٧ ، وفي النهاية ١ : ٤١٣ : ما أعوجّ من الرمل واستطال.
(٤) قوله : (إيّاه) لم يرد في «ص» والبحار.
(٥) في البحار : (فلا تزيد).