معاوية ، فأرسل رسولا إلى صاحب صنعاء ، وكتب بإشخاصه فشخص حتّى قدم على معاوية وخلا به وسأله عمّا عاين ، فقصّ عليه أمر المدينة وما رأى فيها ، وعرض عليه ما حمله منها.
فبعث معاوية إلى كعب الأحبار ودعاه ، وقال : يا أبا إسحاق ، هل بلغك أنّ في الدنيا مدينة مبنيّة بالذهب والفضّة؟ فقال كعب الأحبار : أمّا هذه المدينة ، فصاحبها شدّاد بن عاد الذي بناها ، فهي إرم ذات العماد ، وهي التي وصفها الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه المرسل (١) محمّد صلىاللهعليهوآله ، قال معاوية : حدّثنا بحديثها.
فقال : إنّ عادا الأولى ـ وليس بعاد قوم هود ـ كان له ابنان يسمّى أحدهما «شديدا» والآخر «شدّادا» ، فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّرا ، وأطاعهما الناس في الشّرق والغرب ، فمات شديد وبقي شدّاد ، فملك وحده ولم ينازعه أحد ، وكان مولعا بقراءة الكتب ، وكان كلّما يذكر الجنّة (٢) رغب أن يفعل مثلها في الدنيا عتوّا على الله تعالى ، فجعل على صنعتها مائة رجل تحت يد كلّ واحد منهم ألف من الأعوان ، فقال : انطلقوا إلى أطيب فلاة وأوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضّة وياقوت وزبرجد ، واصنعوا تحت المدينة أعمدة من ياقوت وزبرجد ، وعلى المدينة قصورا ، وعلى القصور غرفا ، وفوق الغرف غرفا ، واغرسوا تحت القصور في أرضها أصناف الثمار كلّها ، وأجروا فيها الأنهار حتّى تكون تحت أشجارها.
فقالوا : كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذهب والفضّة حتّى يمكننا أن نبني مدينة كما وصفت؟
قال شدّاد : أما تعلمون أنّ ملك الدنيا بيدي؟ قالوا : بلى.
__________________
(١) قوله : (المرسل) لم يرد في «ص» «م».
(٢) في البحار زيادة : (وما فيها من البنيان والياقوت والزبرجد واللؤلؤ).