وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : وما أعقبهم؟
قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعا (١) ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرجال ويعطون عليه النّحل (٢).
وأنّ لوطا عليهالسلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ، وكانت امرأة إبراهيم عليهالسلام سارة أخت لوط ، وكان لوط رجلا شيخا كريما يقرئ الضيف إذا نزل به ويحذّره قومه ، فقال قومه : إنّا ننهاك عن الضيف وقرائه ، فإن لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط.
وكان لإبراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة إبراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم أخّر (٣) عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ففزع وخاف أن يكونوا سرّاقا فلمّا رأوه فزعا قالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)(٤) ، ثمّ قالوا : (إِنَّا
__________________
(١) أي ضاق بهم صدرا ، وهو كناية عن شدّة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه (تفسير غريب القرآن : ٣٦٤).
(٢) في البحار : (ويعطونهم عليه الجعل).
(٣) في «ص» «م» : (يؤخّر).
(٤) الحجر : ٥٣.