فلمّا أراد ذو القرنين الرجوع قال للملك : أوصني ، قال : لا يهمنك رزق غد ، ولا تؤخّر عمل اليوم لغد ، ولا تحزن على ما فاتك ، وعليك بالرفق ، ولا تكن جبّارا متكبّرا.
ثمّ إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه ، ثمّ عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم ، فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب من العدل ، فبينما هو يسير إذ وقع على الأمّة المحاكمة (١) من قوم موسى صلوات الله عليه الذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، فوجد أمّة عادلة فقال لهم : أخبروني إنّي درت الدنيا فلم أر مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟
قالوا : لئلّا ننسى الموت ، ولا يخرج ذكره من قلوبنا.
قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟
قالوا : ليس فينا متّهم ولا ظنين ولا لصّ ، وليس فينا إلّا أمين.
قال : فما بالكم (٢) ليس عليكم أمراء؟
قالوا : لا نتظالم.
قال : ليس بينكم حكّام؟
قالوا : لا نختصم.
قال : ليس منكم ملوك؟ قالوا : لا نتكاثر (٣).
قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف؟
قالوا : لا نتنافس.
قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا : من قبل أنّا متواسون متراحمون.
__________________
(١) في كمال الدين : (العالمة الذين) بدلا من : (المحاكمة).
(٢) قوله : (فما بالكم) ليس في «ر» «س» «ص».
(٣) قوله : (قال : ليس بينكم حكّام) إلى هنا لم يرد في «ص» «م».