فلمّا أمسوا رجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون قالوا : (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)(١) ، فاسترجع وعبر فصبر وأذعن للبلوى ، وقال :
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٢) ، ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب.
قال أبو حمزة : ثمّ انقطع حديث زين العابدين صلوات الله عليه ، فلمّا كان من الغد وغدوت إليه ، فقلت : إنّك حدّثت أمس بحديث يعقوب ، فما كان من قصّة إخوة يوسف بعد ذلك؟
فقال : إنّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا حتّى ننظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ؟ فلمّا انتهوا إلى الجبّ وجدوا سيّارة وقد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه ، فلمّا جذب الدلو إذا هو بغلام متعلّق بدلوه ، فلمّا أخرجه قال إخوة يوسف : هذا عبدنا سقط أمس في هذا الجبّ وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه منه وقالوا له : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبد لنا ، فنبيعك من بعض هذه السيّارة أو نقتلك.
قال : اصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا إلى السيّارة وقالوا لهم : أمنكم من يشتري هذا العبد منّا؟ فاشتراه بعضهم بعشرين درهما ، وسار من اشتراه حتّى أدخله مصر.
فقلت لعليّ بن الحسين عليهماالسلام : ابن كم كان يوسف صلوات الله عليه يوم ألقي في الجبّ؟ قال : كان ابن تسع (٣) سنين.
قلت : فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر؟ قال : مسيرة اثني عشر يوما. وكان يوسف عليهالسلام من أجمل أهل زمانه ، فاشتراه العزيز وراودته امرأته ، فقال : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فأفلت منها هاربا إلى الباب ، فلحقته فجذبت قميصه من خلفه (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ
__________________
(١) يوسف : ١٧.
(٢) يوسف : ١٨.
(٣) في «ر» «س» : (سبع) ، والمثبت من «ص» «م» والعلل.