التي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الأمم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.
وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسون الناس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، وكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك فقال : ما تقول أنت فيما صنعت أراض أنت أم ساخط؟
فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا)(١).
فزادهم شعيب في الوعظ (٢) ، فقالوا : يا شعيب ، أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، فآذوه بالنفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم الله ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة (٣) لهم ، وهو قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٤) فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)(٥).
وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان (٦) إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم
__________________
(١) الأعراف : ٨٨.
(٢) في «ص» «م» : (الوعد).
(٣) الغيضة الأجمة ، وهي الشجر الملتف وجمعه غياض (المصباح المنير : ٤٥٩).
(٤) ص : ١٣.
(٥) الشعراء : ١٨٩. وبعدها في «ر» زيادة : (قال :).
(٦) قوله : (كان) ليس في «ص» «م» والبحار.